حادثة الرس وصناعية الرياض

بسم الله الرحمن الرحيم

حادثة الرس وصناعية الرياض

فاتقوا الله عباد الله فإن تقواه أقوى ظهير، وأوفى نصير، كلُّ أمر عليه يسير، وكلّ شيء إليه فقير، والأمور إليه تصير، وهو السميع البصير، لا يخفى عليه ما وقع على أهل الإسلام من الظلم الكثير، والجور الكبير، وإنَّ الله على نصرهم لقدير.

عباد الله: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أشراط الساعة ظهور الفتن العظيمة، التي يلتبس فيها الحق بالباطل، فتزلزل الإيمان حتى يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، كلما ظهرت فتنة قال المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تظهر أخرى فيقول: هذه هذه، ولا تزال الفتن تظهر في الناس إلى أن تقوم الساعة. ونحن في عصر أخذت أمواجها تتلاطم، بألوان من الأحوال العجيبة، موجات فتن تترى، ومصائب تتوالى، وتقلبات وتغيرات. وللفتن ضحايا تصرعهم، وفي ذلك يقول حذيفة بن اليمان: إياكم والفتن، لا يشخص إليها أحد، فوالله ما شخص فيها أحد إلا نسفته كما ينسف السيل الدمن.

 ويقول ابن هبيرة : احذروا مصارع العقول عند التهاب الشهوات.

عباد الله: يقال هذا وأنتم تتابعون ما يدور في مجتمعنا من أحداث مؤسفة ، تأملوا فيما حدث! الكلمات تتلعثم، والعبارات تتضاءل، أمام التعبير عن هذه الفاجعة، وهذه الكارثة، من سلسلة الإجرام والكوارث، التي تتعرض لها هذه البلاد الآمنة المطمئنة، فيالله : كم من دماء جرت ؟ وكم من مؤمنة ترملت ؟ وكم من فقيدة تيتمت ؟ ولو كشف للجناة غطاء الحقيقة، لجأروا إلى الله تائبين، خوفاً من أن تكون هذه الدماء، كفلاً عليهم يوم القيامة ! !.

ولا إله إلا الله، كم من معقل للإسلام قد هدموه، وكم من حصن قد خربوه، وكم من علم قد طمسوه، وكم من لواء مرفوع قد وضعوه.

إن غياب منهج النبوة، قد أوقع بعض الناس في شرور مستطيرة، وفتن كبيرة. وإن الواجب علينا كلما اشتدت بنا البلايا والرزايا، أن يقوى تضافرنا، ويشتد تناصرنا، لإعزاز ديننا، وحماية بلادنا، وأن نكون صفاً واحداً، متعاضدين متساعدين، متعاونين على البر والتقوى، متناهين عن الإثم والعدوان، نابذين العداء والبغضاء ﴿وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

فإنه لا ينْجي من الفتن إلا تجريد التوحيد، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحكيمه في دقّ الدين وجلّه، ظاهره وباطنه، عقائده وأعماله . العِلمُ المُخلَصُ في تحصيله، المُتقى اللهُ في تطبيقه، نورٌ يضيء الطريق إذا ادلهمت الخطوب، وتشابكت الدروب، وعصفت بالناس الفتن ، المؤمنُ معه من الله بينه، بها يعمل وبها يأخذ وإليها ينتهي ﴿أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا﴾ عن بكر بن عبد الله قال لما كانت فتنة ابن الأشعث قال طلق بن حبيب: اتقوها بالتقوى. قال بكر: أجمل لنا التقوى؟ قال: التقوى عمل بطاعة الله، على نور من الله، رجاء رحمة الله، والتقوى ترك معصية الله، على نور من الله، خيفة عقاب الله.

فلا حول ولا قوة للعبد إلا بالله، فهو المثبت والمعين، ولولاه ما رفع المسلم قدماً، ولا وضع أخرى، ولا ثبت على الخير لحظةً واحدة، اللجوء إلى الله بالدعاء من أهم الأسباب، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عظيمَ الشعورِ بالافتقار إلى ربه، كان يكثر في دعائه أن يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» .

ولقد عاصر قتادةُ رحمه الله، فتنةً من الفتن، ويضع بين يدي الأمةِ نتائجَها فيقول: قد رأينا والله أقواماً يسارعون إلى الفتن وينزعون فيها، وأمسك أقوام عن ذلك هيبة لله ومخافة منه، فلما انكشفت الفتن، إذا الذين أمسكوا أطيبَ نفوساً وأثلج صدوراً، وأخف ظهوراً من الذين أسرعوا إليها، وصارت أعمال أولئك حزازات على قلوبهم كلما ذكروها، وأيم الله، لو أن الناس كانوا يعرفون منها إذ أقبلت، ما عرفوا منها إذ أدبرت،لعقل فيها جيل من الناس كثير .

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

عباد الله : إن سلوك الطرق المنحرفة، من أعظم وسائل إضعاف الأمة، وإنهاك قوتها، وإبادة جهودها، وذريعة للمتربصين بالدعوة لوأدها، والإجهاز عليها، وإلصاق التهم بها، ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم لأمته كل شيء، ووقع ما أخبر به من أحوال بئيسة، وفتن جسيمة، يرقق بعضها بعضاً، فوجب على الأمة أن تستلهم مما جاء به الطريق إلى المخرج من الفتن، والسبيل القويم في الإحن . فلقد توفي صلى الله عليه وسلم وما ترك خيراً إلا ودلنا عليه، ولا شراً إلا وحذرنا منه، وما من طائر يحلق في السماء، إلا ترك لنا منه علماً، حتى قال سلمان رضي الله عنه : لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة . ومن المحال أن يكون صلى الله عليه وسلم قد علم أمته آداب الخلاء، وآداب الوطء، وآداب الطعام والشراب، ويدع تعليمهم السبيل في الفتن، مع شدة حاجتهم إلى ذلك، كيف وقد أخبرهم بما سيحصل لهم من هنات وفتنة، وغربة وكربة.

واعلموا يا عباد الله: أنكم بالخير والشر تختبرون، وبالمحاب والشهوات تفتنون، واحذروا التبديل والتغيير، احذروا أن تكونوا من دعاة الضلالة، وأرباب الجهالة، الآمرين بكل محرم، الواقفين على شفير جهنم، عليكم بعقيدة الإيمان، عضوا بالنواجذ عليها، وكفكفوا الشبه أن تدنو إليها. اتهموا أنفسكم في صواب ما أحبت، وتحسين ما اشتهت، فإن عين الهوى عمياء، وأذنه صماء، واتخذوا آيات الكتاب فرقانًا، وبيناته برهانًا، يَبِنْ لكم ما استعجم، ويظهر لكم ما استبهم، يقول صلى الله عليه وسلم «تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً كتاب الله وسنتي» ثم الزموا العلماء، الذين هم بحمد الله في بلادنا كثير، وقد أظهرت التجارب والبراهين، أن جادتهم هي الصواب، وهي بعون الله العصمة من الخراب، فما زال بحر العلم بوجودهم متدفقاً، وسلسلة الذهب بهم متصلة.

عباد الله: ﴿فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾ عسى أن يكون في هذه الأحداث عبرة وعظة، فيستيقظ النائم، ويتنبه الغافل، ويتعلم الجاهل، عسى أن يكون فيها دحرا للأعداء، وعزا للإسلام، وثباتا على المبادئ، وإحقاقا للحق، وإزهاقا للباطل، عسى أن تكون بمثابة الشرارة التي تضيء الغيرة في القلوب. فالشدائد تفتح الأسماع والأبصار، وتشحذ الأفكار، وتجلب الاعتبار، وتعلم التحمل والاصطبار، تذيب الخطايا، وتعظُم بها العطايا، وهي للأجر مطايا، فاطلبوا من الله الرعاية، واسألوه العناية، فلكل مصيبة غاية، ولكل بلية نهاية، كم من مرة خفنا، فدعونا ربنا وهتفنا، فأنقذنا وأسعفنا، كم من مرة زارنا الهم، وبرَّح بنا الغم، ثم عاد سرورنا وتم، كم من مرة وقعنا في الشباك، وأوشكنا على الهلاك، ثم كان الفكاك، إذا داهمتكم الشدائد السود، وحلت بكم القيود، وأظلم أمامكم الوجود، فعليكم بالسجود، ونادوا يا معبود، يا ذا الكرم والجود، أنت الرحيم الودود.

اللهم إنا نسألك أن تكشف الغمة، وتزيل الكربة، وتهدي ضال المسلمين، وأن تصلح حالنا، وتثبت أمننا، وتكفينا شر الأشرار، وكيد الفجار، وأن ترحمنا برحمتك، وتتم علينا نعمة الأمن والإيمان.