تفجير مبنى الأمن العام

بسم الله الرحمن الرحيم

تفجير مبنى الأمن العام

عباد الله : إن بلدنا هذا من آمن بلاد الله، ولا يمكن أن يجد له المرءُ مثيلاً في أي مملكة من ممالك الدنيا، قال تعالى إخباراً عن إبراهيم عليه السلام أنه قال ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِناً﴾ ، قال ابن كثير : " وقد فعل الله ذلك شرعاً وقدرا كقوله تعالى ﴿وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾ وقوله ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ أ.هـ

ويقول صلى الله عليه وسلم مبيناً فضل هذه النعمة ومنزلتَها، التي لا يعرف عظم فضلها إلا من عاش في جنبات الخوف والرعب : «من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا». أقول هذا تذكيراً بنعمة العافية في الأبدان، والأمن في الأوطان، التي يَحرم هتكها، أو التسبب في الإخلال بها.

واليوم والتاريخ يعيد نفسه، قد نبتت نابتة من الشباب، لم يتفقهوا في الدين إلا قليلاً، ورأوا أن الحكام لا يحكمون بما أنزل الله إلا يسيراً، فرأوا حمل السلاح عليهم، دون أن يستشيروا أهل العلم والفقه، بل ركبوا رؤوسهم وأثاروا فتنة عمياء، وسفكوا الدماء، يقول ابن كثير : وهذا الضرب من الناس من أغرب أشكال بني آدم، فسبحان من نوع خلقه كما أراد، وسبق في قَدَره ذلك أ. هـ ويقول صلى الله عليه وسلم كما عند (م) من حديث زياد بن علاقة : «إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائنا من كان».

 ويقول الشوكاني رحمه الله : "وها هنا تسكب العبرات، ويُناح على الإسلام وأهله، بما جناه التعصب في الدين على غالب المسلمين، من الترامي بالكفر، لا لسنة ولا لقرآن، ولا لبيان من الله ولا لبرهان، بل لِمَا غلت به مراجل العصبية في الدين، وتمكُّن الشيطان الرجيم من تفريق كلمة المسلمين، لقنهم إلزاماتِ بعضهم لبعض، بما هو شبيه الهباء في الهواء، والسراب بقيعة، فيا لله وللمسلمين من هذه الفاقرة، التي هي من أعظم فواقر الدين، والرزيةِ التي ما رزئ بمثلها سبيل المؤمنين " أ.هـ

عباد الله: الكلمات تتلعثم، والعبارات تتضاءل، أما التعبير عن هذه الفاجعة، وهذه الكارثة، من سلسلة الإجرام والكوارث، التي تتعرض لها هذه البلاد الآمنة المطمئنة، فيالله : كم من دماء جرت ؟ وكم من مؤمنة ترملت ؟ وكم من فقيدة تيتمت ؟ ولو كشف للجناة غطاء الحقيقة، لجأروا إلى الله تائبين، خوفاً من أن تكون هذه الدماء، كفلاً عليهم يوم القيامة ! !.

ولا شك أن هذا الإجرام يهتز له قلب كل مسلم، وهو من أشد الأمور مضاضة على النفوس، أن نرى مثل هذه الأعمال المشينة، على بلاد التوحيد، بلاد الخير والصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه الأمور حصادها مر، وثمارها علقم، إن هذه الأعمال، تصد الأرواح، وتجتث الأنفس، وتورث الحسرة، وتوجب الندامة، وترهق الأمة، وتبدد المكاسب، وإنها من أشد العقبات في طريق الخير، والتقدم والدعوة والرقي، إن سنواتها عجافٌ شداد، يأكلن ما قدمه المسلمون من أعمال الخير، وما جمعوه من مكاسب الدعوة. الإصلاح لا يكون بالإفساد أبدا، والبناء لا يكون بالهدم، ورقي الأمم لا يكون بالأعمال التخريبية، بل هي من أكبر الأدلة على الإفلاس. وما أكبر الفرق، بين من يبني ومن يهدم، ومن ينفع ومن يضر، ومن يعمّر ومن يفجر، ومن يبشّر ومن ينفر، وما أكبر الفرق، بين من يصلح ومن يفسد، ومن يسعف ومن يتلف، ومن يسعد ومن يشقي.

دماء بلا ذنب على الأرض تنثر *** وبطش وإرهاب وظلم ومنكر

وخوف وترويع لمن كان آمنا *** وهتك وإجرام وفكر معكــر

أفي موطن التوحيد مشرق الهدى *** غراس لفكر زائغ النهج تثمر

لقد أثمرت شؤما وشرا وعلقما *** وإن ضمير الحق منها مكــدر

بأي لسان أو بيان لــــملة *** تراق دماء الأبرياء وتهــدر

وهل علم الإسلام أرباب نهجه *** بأن يهتكوا أمنا مصونا ويغـدر

عباد الله: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في (خ) من حديث عبد الله بن عمرو: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما» هذا في المعاهد وهو غير مسلم، فكيف بمن يقتل مؤمنا، كيف بمن يقتل بريئا، ألم يعلموا بقوله تعالى ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾. وهذا إذا كان قتله متعمدا عن غضب، فكيف بمن يخطط الأشهر الطويلة، حتى يقتل المسلمين في مأمنهم؟! هداهم الله وردهم إلى الحق، أسأل الله تعالى أن يزيدنا اجتماعا وائتلافا وقوة، وأن يرفع للحق منارا، وأن يخمد للباطل نارا، إنه جواد كريم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

 أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله فإن تقواه أقوى ظهير، وأوفى نصير، كلُّ أمر عليه يسير، وكلّ شيء إليه فقير، والأمور إليه تصير، وهو السميع البصير، لا يخفى عليه ما وقع على أهل الإسلام من الظلم الكثير، والجور الكبير، وإنَّ الله على نصرهم لقدير.

عباد الله : لقد بات لزاماً على كل من يحمل علماً – وإن قلّ -، أو يملك قلماً – وإن كلّ -، أن يهتك الغشاوات التي حجبت العقول. إن غياب منهج النبوة، قد أوقع بعض الناس في شرور مستطيرة، وفتن كبيرة. وإن الواجب علينا كلما اشتدت بنا البلايا والرزايا، أن يقوى تضافرنا، ويشتد تناصرنا، لإعزاز ديننا، وحماية بلادنا، وأن نكون صفاً واحداً، متعاضدين متساعدين، متعاونين على البر والتقوى، متناهين عن الإثم والعدوان، نابذين العداء والبغضاء ﴿وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

عباد الله : الشدائد تفتح الأسماع والأبصار، وتشحذ الأفكار، وتجلب الاعتبار، وتعلم التحمل والاصطبار، تذيب الخطايا، وتعظُم بها العطايا، وهي للأجر مطايا، فاطلبوا من الله الرعاية، واسألوه العناية، فلكل مصيبة غاية، ولكل بلية نهاية، كم من مرة خفنا، فدعونا ربنا وهتفنا، فأنقذنا وأسعفنا، كم من مرة زارنا الهم، وبرَّح بنا الغم، ثم عاد سرورنا وتم، كم من مرة وقعنا في الشباك، وأوشكنا على الهلاك، ثم كان الفكاك، إذا داهمتكم الشدائد السود، وحلت بكم القيود، وأظلم أمامكم الوجود، فعليكم بالسجود، ونادوا يا معبود، يا ذا الكرم والجود، أنت الرحيم الودود:

نسأل الله أن يكشف الغمة، ويزيل الكربة، ويهدي ضال المسلمين، وأن يصلح حالنا، ويثبت أمننا، ويكفينا شر الأشرار، وكيد الفجار، وأن يرحمنا برحمته، ويتم علينا نعمة الأمن والإيمان.