حقوق الجار وحسن الجوار

بسم الله الرحمن الرحيم

حقوق الجار وحسن الجوار

الحمد لله الذي أمرنا بالبر والصلة ونهانا عن العقوق, وجعل حق المسلم على المسلم من آكد الحقوق, وجعل للجار حقا على جاره وإن كان من أهل الكفر والفسوق, نحمده تعالى وبه الوثوق, ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو الخالق وكل شيء سواه مخلوق. ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق المصدوق. اللهم صل وسلم على سيدنا محمد الناطق بأفضل منطوق, وعلى آله وصحبه المؤدين للحقوق, وعلى التابعين لهم بإحسان من سابق ومسبوق.  أما بعد:

 عباد الله: كان العرب في الجاهلية يحمون الذمار, ويتفاخرون بحسن الجوار، وعلى قدر الجار يكون ثمن الدار، فجاء الإسلام وأمر بحسن المجاورة ولو مع الكفار، وشر الناس من تركه الناس اتقاء شره، وتباعد عنه من يعرفه تجنبا لضره، وأخبث الجيران من يتتبع العثرات، ويتطلع إلى العورات، وليس بمأمون على دين ولا نفس ولا أهل ولا مال. يقول صلى الله عليه وسلم كما عند (خ) من حديث أبي هريرة «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره» وقال صلى الله عليه وسلم كما عند (حم) من حديث أنس «المؤمن من أمنه الناس, والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده, والمهاجر من هجر السوء، والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه» .

الإسلام أوجب بين الناس التعاون والإحسان، وحرم الأذى والعدوان، وأقام العلائق بين الخلائق على الحب والإخاء، والتراحم والوفاء, ولهذا أوصى بالجار وأمر بالإحسان إليه، وأكد حقه, وحذر من إيذائه. فقال صلى الله عليه وسلم كما عند (خ) من حديث ابن عمر وعائشة: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت إنه سيورثه» .

عباد الله: إن الإحسان إلى الجار يكون بتأدية حقه, وكف الأذى عنه, وبذل العون إليه، فمن حق الجار عليك: أن تسلم عليه إذا لقيته، وأن تلقاه بوجه طلق وبشاشة, وأن تتفقد أحواله إن كان فقيرا, وأن تعوده إن كان مريضا, وأن تسعفه بالمعونة إن كان محتاجا، وأن ترد لهفته، وتصون حرمته، وتحفظ غيبته، وأن لا تفعل ما يسبب قلقا في راحته, أو اضطرابا في معيشته، وأن لا تكون عليه حقودا، ولا لما أنعم الله به عليه حسودا.

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "من حق الجار أن تبسط إليه معروفك، وتكف عنه أذاك" .

ويقول الحسن البصري : "ليس حسن الجوار كف الأذى، حسن الجوار الصبر على الأذى" .

عباد الله: إن كثيرا من الناس يأكلون ما لذ وطاب، ويحملون إلى بيوتهم أشهى الفواكه والثمار, ثم لا يهمهم من أمر جارهم شيئا, وسيان عندهم أشبع هو وعياله أم جاعوا, عند (م) عن أبي ذر رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «يا أبا ذر: إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها, وتعاهد جيرانك» .

يقول بعض أهل العلم : "ففي الحديث الحض على مكارم الأخلاق والإرشاد لمحاسنها، لما يترتب عليه من المحبة والألفة، ولما يحصل به من المنفعة ودفع الحاجة والمفسدة، فقد يتأذى الجار برائحة أكل جاره، ولا يقدر على التوصل لذلك، فتهيج من صغارهم الشهوة، ويقوم بهم الألم والكلفة، وربما كان يتيما أو أرملة، فتكون المشقة أعظم، وتشتد منهم الحسرة والألم، وكل ذلك ليندفع بتشريكهم في شيء من الطبخ، فلا أقبح من منع هذا اليسير، المترتب عليه هذا الضرر الكبير " أ.هـ

ولقد أثمرت تعاليم الإسلام هذه في نفوس المسلمين, وآتت أكلها، حتى كانوا يبتعدون عن كل ما يؤذي الجار, ويسيء إليه, ويهتمون بأحواله ويسألون عنه. ولكن واقع الناس اليوم, بعيد كل البعد عن روح هذه التعاليم والآداب – إلا من رحم الله -، فالجار لم يعد له في نظر أكثر الناس ذلك الاحترام والتقدير, فضيعت حقوقه، وقطعت به الصلات, فإن كان فقيرا أهمل شأنه، وزهد فيه جيرانه، وإن كان ضعيفا لم يتورع عن إيذائه واستضعافه، وإن كان ذا نعمة حسدوه وأبغضوه، وإذا مرض لم يعودوه، وإذا احتاج لم يعينوه. هكذا بلغت بالمسلمين القطيعة والعقوق والبغضاء, وإلى هذا الحد تمزقت علاقة الجوار والود والإخاء، وغدا الكثير من العباد لا يتورعون عن إيذاء الجار بالفعل أو القول, ويحرصون على إيذائه وإغاظته والكيد له.

ألا فلتعلموا أن إيذاء الجار من الكبائر المفضية بصاحبها إلى دخول النار وإن صلى وصام, وزعم أنه مؤمن. وقد روي في (حم) أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن امرأة كانت تصوم النهار وتقوم الليل, ولكنها تؤذى جيرانها بلسانها؟ فقال صلى الله عليه وسلم : «لا خير فيها هي من أهل النار» وقال عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده, لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقه» .

عباد الله: فليحسن كل واحد منكم إلى جاره, وليؤد إليه حقوقه وواجباته، واعلموا أن ما يقوم بين الجيران, من شجار وسباب وخصام, إنما هو فسوق وكفر بآداب الإسلام. وقد قال صلى الله عليه وسلم : «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» إن للجار حرمة عظمها الله ورسوله, وإن انتهاكها يضاعف العذاب، ويؤدى إلى فظاعة الجرم وتنكيل العقاب.

جعلني الله وإياكم من خيار خلقه, وبارك لي ولكم في الطيبات من رزقه, وأجارني وإياكم من أذية الجار والتهاون بحقه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

عباد الله: إن من الحماقة وضعف الرأي، ترافع الناس إلى الحكام فيما يقع عادة بين الجيران, من خصومات النساء ومشاجرات الصبيان, ومما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهيه عن إطالة البنيان، إذا كان في ذلك أذى كسد الهواء والإشراف على من يدانيك في المكان. ولقد كان صلى الله عليه وسلم يقول كما عند (س) عن أبي هريرة «اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة, فإن جار البادية يتحول» وقال عليه الصلاة والسلام كما عند (ت حم) عن أبي هريرة «اتق المحارم، تكن أعبد الناس, وأرض بما قسم الله لك، تكن أغنى الناس, وأحسن إلى جارك، تكن مؤمنا, وأحب للناس ما تحب لنفسك، تكن مسلما» .

عار عليك يا عبد الله: أن تبيت شبعانا وجارك طاو جائع، وعار عليك أن تلبس الجديد، وتبخل بما أبليت من ثيابك على عراة الجيران، وعار عليك أن تتمتع بالطيبات من مشموم ومطعوم، وجيرانك يشتهون العظام وكسر الطعام، وأنت تعلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة» .

 حرام عليك يا عبد الله: أن تنظر في بيت جارك وهو غافل، أو تخونه في أهله, حرام عليك أن تسمع ما يقول في بيته فتكون جاسوسا لا يأمنك على قوله وفعله, وإذا عجزت عن بر جارك أو الإحسان إليه والاعتراف بفضله, فكف أذاك عنه ولا تضره، ودعه يستريح في منزله، وإذا دعاك فأجبه, وإن استشارك فأشر عليه, وإذا كان مظلوما فانصره، أو ظالما فاقبض على يديه, وإن أحسن فاشكره، وإن أساء فاعف عنه, وإن ارتكب الفساد فلا تقره عليه, فرب جار متعلق بجاره يوم القيامة، يقول يا رب: إن هذا قد أغلق بابه دوني ومنعني معروفه, ورآني على الشر فلم ينهني عنه، وقال رجل يا رسول الله: إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصيامها, غير أنها تؤذي جيرانها, قال: «هي في النار» قال: يا رسول الله: فإن فلانة تذكر من قلة صلاتها وصيامها، وإنها تتصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها، فقال صلى الله عليه وسلم : «هي في الجنة». والله تعالى يحب جارا صبر على أذية جاره، حتى يكفيه الله إياه بتحول أو موت. بعض الناس لا يبالي بغيره إذا تمت له راحته, ولا يهمه أن يكون عباد الله كلهم ساخطين عليه وأن تدنس ساحته, ما دام ينال قصده، ويصل إلى مراده، ويتمتع بشهواته، وتحسن له حالته, لو كان في ذلك هلاك غيره، وترك دينه، وخروجه عن الشرف والمروءة، ولذلك تراه بغيضا في إخوانه، ممقوتا في جيرانه, وخفيفا في ميزانه، وسخيفا عند من يعرفه من أهل زمانه، وإن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى «إذا لم تستح فاصنع ما شئت».

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك، وجميع سخطك، اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.