فضل لا إله إلا الله

بسم الله الرحمن الرحيم

فضل لا إله إلا الله

الحمد لله الذي خلق المكلفين ليعبدوه، وأدر عليهم الأرزاق ليشكروه، ووضح لهم الأدلة والبراهين ليعرفوه، الحمد لله له الملك ﴿أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً﴾ ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المخاطب بقول الحق ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ﴾ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ

عباد الله: إذا تدبرنا القرآن الكريم وجدنا أنه بين التوحيد بيانا كاملا، حتى إنه لا تخلو سورة من سور القرآن إلا وفيها تناول للتوحيد، وبيان له ونهي عن ضده، وقد قرر الإمام ابن القيم أن القرآن كله في التوحيد؛ لأنه إما إخبار عن الله تعالى وأسمائه وصفاته، وهذا هو التوحيد العلمي الذي هو توحيد الربوبية، وإما أمر بعبادة الله وحده لا شريك له، ونهي عن الشرك، وهذا هو التوحيد العملي الطلبي، وهو توحيد الألوهية، وإما أمر بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ونهي عن معصية الله ومعصية رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا من حقوق التوحيد ومكملاته، وإما إخبار عما أعد الله للموحدين من النعيم والفوز والنجاة والنصر في الدنيا والآخرة، أو إخبار عما حل بالمشركين من النكال في الدنيا وما أعد لهم في الآخرة من العذاب الدائم، والخلود المؤبد في جهنم، وهذا فيمن حقق التوحيد، وفيمن أهمله.

فأساس الدين هو إخلاص القصد في الأقوال والأعمال، والدعوات والنفقات والأحوال، لله رب العالمين، بأن يبتغي المرء بما يفعل أو يترك من هذه الأمور وجه الله، ولا يلتفت قلبه فيها إلى أحد سواه، كائنا من كان، في أي زمان أو مكان، فحقيقة التوحيد: إفراد الله تعالى بالعبادة، وترك الشرك به والبراءة منه وأهله، وهذا هو الدين الذي بعث الله به جميع المرسلين ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ وأخبر سبحانه أن أولئك المرسلين خاطبوا أممهم مبلغين وناصحين قائلين ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ فكل الرسل إلى جميع الأمم من العرب والعجم بعثوا بدعوة الناس إلى أن يقولوا: لا إله إلا الله، ومعناها لا معبود بحق إلا الله، وتحقيقها أن لا يعبد إلا الله، وأن يكفر بكل معبود سواه، فلا إله إلا الله هي أساس الدين، وتحقيقها أول واجب على المكلفين، فإنها كلمة الإخلاص، وتحقيقها للمرء من النار خلاص، وهي الركن الأول للإسلام، وعليها تبنى عبادة الأنام، فمن قالها عارفا بمعناها، عاملا بمقتضاها، فهو المقبول عند الله، ومن قالها وجهل معناها، أو لم يعمل بمقتضاها فإنه الخاسر الذي خسر دنياه وأخراه.

عباد الله: إن هذه الكلمة هي أصل الدين، والفرقان بين المؤمنين الموحدين، والكافرين المشركين، وهي كلمة التقوى، والعروة الوثقى، والشجرة الطيبة، التي أصلها ثابت في القلوب وفرعها في السماء، تؤتي أكلها من الكلم الطيب، والعمل الصالح، كل حين بإذن ربها، فهنيئا لمن ثبتها الله في قلبه، وذلل بها لسانه، واستعمل بها جوارحه وأركانه، فصلحت بها سريرته، وجملت بها سيرته، فسددت بها أقواله، وحسنت بها أحواله، إذ زينه الله بزينة التقوى، وثبته على الاستمساك بالعروة الوثقى ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ .

الخطبة الثانية:

عباد الله: إن تحقيق لا إله إلا الله هو إفراده سبحانه بجميع العبادات، وتخصيصه تعالى بالقصد والإرادات، ونفيها عما سواه من المعبودات، التي نفتها لا إله إلا الله عن سائر المخلوقات، وذلك هو الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله الذي لا يبقي في القلب شيئا لغير الله، ولا إرادة لما حرم الله، ولا كراهة لما أمر الله، هذا هو حقيقة لا إله إلا الله، وأما من قالها بلسانه، ونقضها بفعاله، فلا ينفعه قول لا إله إلا الله، إن من صرف لغير الله شيئا من العبادات، أو أشرك به أحدا من المخلوقات، فإنه كافر بالله ولو نطق ألف مرة بلا إله إلا الله.

قيل للحسن البصري – رحمه الله -: إن أناسا يقولون من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال: من قالها، وأدى حقها وفرضها، أدخلته الجنة لا إله إلا الله. وقال وهب بن منبه لمن قال له: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك؛ لأنك في الحقيقة لم تقل لا إله إلا الله. ويعني بأسنانها: العلم بمعناها والعمل بمقتضاها، وترك ما يضادها ويخل بها وينافيها.

عباد الله: شر البلية ضلال بعد هدى، وعمى بعد بصيرة، وغي بعد رشاد، ولقد خلق الله الخلق يميلون بفطرهم إلى التوحيد – دين الفطرة -، فانحازت الشياطين بفريق منهم وحولوهم عن الهدى، وانحرفوا بهم عن مسلك الرشاد، يقول تعالى في الحديث القدسي : «خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم» فلا تظنوا أمور الشرك منكم بعيدة، فإن كثيرا من الناس وقعوا في مهاوي شديدة، تقدح في لا إله إلا الله، أين من وحد الله بالحب والخوف والرجاء والعبادة، أين من خص الله سبحانه بالذل والخضوع والتعظيم، وإخلاص القصد والإرادة، أين من أفرد الله تعالى بالتوكل، وفوض إليه في الحقيقة أمره، وجعل عليه اعتماده، أما دلكم على وحدانيته بالآيات البينات، أما وضح لكم معرفته بالحجج والبراهين القاطعات، تعرف لكم بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا ونعمه الواسعة العظمى ﴿يَاأَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ وجعل له السمع والبصر والفؤاد، وجميع القوى، فتبارك الله أحسن الخالقين، فإن كل هذه من معاني لا إله إلا الله. فسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للمتقين، الذين آمنوا بالله ورسوله، فقاموا بواجبات لا إله إلا الله. فتمسكوا عباد الله بعرى لا إله إلا الله، فإن من نفى ما نفته، وأثبت ما أثبتته، ووالى عليها وعادى، رفعته إلى أعلى عليين، منازل أهل لا إله إلا الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ المُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِين﴾.