كارثة آسيا

بسم الله الرحمن الرحيم

زلزال آسيا

عباد الله: لقد أجرى الله أمور عباده منذ أن خلقهم على التقلب بين شدة ورخاء، ورغد وبلاء، وأخذ وعطاء، فسبحانه من إله علم عواقب الأمور، وصرف الدهور، فمنع وأعطى، ومنح وامتحن، فجعل عباده بين خير وشر، ونفع وضر، ولم يجعل لهم في وقت الرخاء أحسن من الشكر، ولا في أيام المحنة والبلاء أنجع من الصبر، فطوبى لمن وفق في الحالين للقيام بالواجبين، فشكر عند السراء، وصبر عند الضراء، وابتهل إلى الله عند كلا الحالين بالتضرع والدعاء.

عباد الله: اعلموا أن الله تعالى لا يخلق شراً محضاً، فكم من شر في نظر الناس، يحمل في طياته خيرا كثيرا، والله يعلم وأنتم لا تعلمون، فقد يبتلي الله عباده؛ لتستيقظ النفوس الغافلة، وتلين القلوب القاسية، وتدمع العيون الجامدة، يريهم بعض آياته لعلهم يرجعون ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ﴾ وإن الله يبتليهم بشيء من الضراء، لئلا يتمادوا في الطغيان، ويغرقوا في العصيان ﴿فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ فإن لم يرجعوا عن غيهم، ويتوبوا من إعراضهم عن أوامر ربهم، زاد الله في نعيمهم وجعلهم يتقلبون فيه، حتى تزيد غفلتهم وإعراضهم، فيأخذهم على غرة، عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج، ثم تلا قوله تعالى ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ﴾».

يقول العلامة ابن القيم: "وقد يحدث الله فيها الزلازل العظام؛ ليحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية، والإنابة والإقلاع عن معاصيه، والتضرع إليه والندم" أ.هـ

عباد الله: أمر حدث قبل أيام ، لن أطرقه من ناحية فقهية فللفتوى  أهلها . ولا من ناحية سياسية فللسياسة أربابها ، ولا من ناحية اقتصادية فللاقتصاد حذاقه . لكنه سرد متأمل في أقدار الله، تأملاً يرد المقادير إلى مقدرها ، مما تسمعون أخباره، ويشاهد الكثير منكم صوره، لقد دمرت مدن بأكملها، القتلى بعشرات الآلاف، والخسائر بالمليارات ، وكم سيعانون منها من الويلات، ولا تسأل عن ما أصابهم من الخوف والفزع ، توالت تلك الأحداث ،  وتباينت المشاعر .  فهذا هلع مذعور ، وذاك معذب مقهور ،  وآخر يخاف أن الرحى عليه تدور ،هذا يقول: غضب البحر ، وذاك يذكر ظلم الطبيعة، ونحن نقول: لا إله إلا الله ،  يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد . أين قوتك يا ابن آدم؟ أين طغيانك وجبروتك؟ ما أغنت عنهم من الله شيئا . لا إله إلا الله، إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون . فيا معاشر المعرضين، وعن قدرة الله تعالى غافلين، أما آن لكم أن تعودوا، وبحبل الله  تمسكوا فتسودوا . أليس الذي سلط عليهم ذلك ،قادر على أن يسلط عليكم أمثالها. لقد كثرت الزلازل المروعة التي أهلكت الإنسان، ودمرت العمران، وقد تتابع وقوع ذلك في سنين متقاربة، كم تسمعون من الحوادث وتشاهدون من العبر؟ حروب في البلاد المجاورة، أتلفت أمما كثيرة، وشردت البقية عن ديارهم، يتمت أطفالاً، ورملت نساء، وأفقرت أغنياء، وأذلت أعزاء، وأخرى كوارث متنوعة، عواصف وأعاصير، وهناك زلازل وبراكين، وحوادث طائرات ومركبات، كل ذلك يخوف الله به عباده، ويريهم بعض آثار قوته وقدرته، ويعرفهم ضعفهم، ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً﴾ ولكن وللأسف حال أكثرنا كما قال الله ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً﴾.

 ولا شك يا عباد الله أن فيها عبر وعظات لا يدركها إلا أولوا الألباب، فهي تظهر قدرة الله الباهرة، حيث يأذن لهذه الأرض أن تتحرك لبضع ثوان، فينتج عن ذلك هذا الدمار، وهذا الهلاك، وهذا الرعب، ولقد جاء في بعض الآثار أن ذلك يكثر في آخر الزمان، ففي (خ) من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم : «لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، ويتقارب الزمان، وتكثر الزلازل، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج» قيل وما الهرج؟ قال: «القتل القتل».

وإن من الخطأ يا عباد الله ما يتردد في أوساط الناس، وما درج عليه كثير من وسائل الإعلام، من إظهار هذه الكوارث من الزلازل ونحوها على أن سببها تصدع في باطن الأرض، ضعفت قشرتها عن تحمله، أو ينسب ذلك إلى غضب البحر، أو ظلم الطبيعة، كما يجري على ألسنة بعض الصحفيين والإعلاميين،  فواعجبا ما أشد غفلة الإنسان! وما أكفره بقدرة رب الأرباب، ومسبب الأسباب ﴿قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ﴾ .

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه

عباد الله: لقد أهلك الله عز وجل أممًا وأقواماً وقروناً وأجيالاً،كانوا أشد منا قوة، وأطول أعماراً، وأرغد عيشاً، وأكثر أموالاً،فأستأصلهم وأبادهم، ولم يبق لهم ذكر ولا أثر، وتركوا وراءهم قصوراً مشيدة، وآباراً معطلة، وأراضٍ خالية، وزروعاً مثمرة، ونعمة كانوا فيها فاكهين، فأورث كل ذلك قوماً آخرين ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَاء وَٱلاْرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ﴾ وفي هذا يقول سبحانه: ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلأرْضِ مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَاء عَلَيْهِم مَّدْرَاراً وَجَعَلْنَا ٱلأنْهَـٰرَ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءاخَرِينَ﴾ .

ولنا مع سلفنا الصالح رحمهم الله وقفة مباركة لنتبين كيف كان حالهم في مثل هذه المواقف العظيمة، فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه زلزلت الأرض في عهده فجمع الناس ووعظهم فقال: "لئن عادت لا أساكنكم فيها". وقال بعض السلف رحمهم الله لما زلزلت الأرض: "إن ربكم يستعتبكم".

والمتأمل في أحوال المسلمين اليوم يجد أن لديهم من الشرك والبدع  وسائر المعاصي ما الله به عليم. فترى الشرك الأكبر، من الطواف حول القبور، والعكوف حولها، وسؤال الأموات. إضافة إلى محاربة الإسلام سراً وجهراً. وانتشار الربا وأكل أموال الناس بالباطل وكثرة الفواحش كالزنا وتبرج النساء وشرب الخمور والفجور، والحكم بغير شرع الله والتحاكم إليه والظلم والجور. لقد قامت البدع مقام السنن، والهوى مقام الرشد، والضلال مقام الهدى، والمنكر مقام المعروف، والجهل مقام العلم، والرياء مقام الإخلاص، والباطل مقام الحق، والكذب مقام الصدق، والمداهنة مقام النصيحة، والظلم مقام العدل، اقشعرت الأرض، وأظلمت السماء، وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة، وذهبت البركات، وقلت الخيرات، وهزلت الوحوش، وتكدرت الحياة من فسق الظلمة، وبكى ضوء النهار، وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة، والأفعال الفظيعة، وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم من كثرة الفواحش، وغلبة المنكرات والقبائح.

عبد الله: إذا كانت كل هذه المصائب تحدث في بلاد المسلمين إلا من رحم الله فهل تستغرب بعد ذلك أن يعاني المسلمون هذه الأيام من الهزائم الحربية على أيدي أعدائهم، وهل تستغرب حصول المصائب الأخرى كالفقر والمرض والتخلف والتعرض للفيضانات والسيول والزلازل والخسف وغير ذلك. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن عذاب هذه الأمة في الدنيا" " بالفتن والزلازل والقتل " كما عند (د) من حديث أبي موسى رضي الله عنه، وصدق الله ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ .