نظرات في المدلهمات

بسم الله الرحمن الرحيم

نظرات في المدلهمات

لقد خرجَت علينا عُصبةٌ غاوِية، في محاولةٍ يائسة ، وإرادة بائسةٍ ، لنشر الفوضى ، وشقِّ العصا ، وإثارة الدهماء والغوغاء، فأظهروا مكنونَ الشِّقاق، وشهَروا سيوفَ الفتنة، فكفّروا وروّعوا ، وأرعبوا وقتلوا ، وفجَّروا وغدَروا، فلا عن المعاهَدين كَفّوا، ولا عن المسلمين عَفُّوا.

هَمَجٌ رعَاع ، يتبعون كلَّ ناعِق ، ويسيرون خلفَ كل ناهِق، يقابلون المحكمات بشُبهٍ ساقِطة، لا تزيدُهم إلاّ شكًّا وحيرةً واضطرابًا، قومٌ باغون، من جادل عنهم فقد جادل عن الباطل، ومن أعانهم فقد أعان على هدمِ الإسلام، حُدثاء أغرار ، وسفهاء أشرار، خالفوا ما درجَ عليه السلفُ ، وانتهجه بعدَهم صالحو الخلَف، وفارقوا الجماعة، وفي صحيح مسلم يقول صلى الله عليه وسلم «من خرج مِن الطاعةِ وفارق الجماعةَ ثم مات مات ميتةً جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرِب بَرَّها وفاجرها ولا يتحاشَى من مؤمِنها ولا يفي لذي عهدٍ عهدَه فليس منِّي ولست منه» ولقد انقسم الناس حيال هذه الفئة إلى أربعة أقسام

قسم أنار الله بصائرهم، فعرفوا بالأدلة الشرعية، والمصالح المرعية، وبفتاوى أهل العلم المعتبرين، ضلال هذه الفئة، وخطر ما تذهب إليه، فحذروها وحذّروا منها . وهم ولله الحمد أكثر أهل هذه البلاد .

وقسم أيدهم وناصرهم ودافع عنهم وسماهم مجاهدين وهم بحمد الله قلة

وقسم عرف بالأدلة عوارهم، وبطلان دعاويهم،فأخذ يعتذر لهم ويتكلف تبرير أعمالهم، وينقد على استحياء أفعالهم أحيانا، فهو كما قال القائل: لم آمر بها ولم تسؤني، وكما قال الآخر : لا حباً لعلي ولكن كرهاً لمعاوية، رأوا بعض الظلم والجور وتعطيلاً لبعض الحدود، وأكلاً لأموال الناس بالباطل، فظنوا أن في هذه الأعمال تشفياً من المسؤولين.

فيقال له ما حالك لو كان رجل الأمن المقتول أخاك أو أباك أو ابنك أو قريبك ؟ ما حالك لو كان التفجير في منزلك أو المجاور لك ؟ هل تظن أن الضرر سيقتصر على الحكومة أو مسؤوليها فقط ؟ أو ما علمت أن هذه الأعمال، ستؤثر على البلاد كافة وعلى العباد، على الدين والاقتصاد، على الأمن والرخاء، على الدعوة والدعاة، إذاً فراجع نفسك يا رعاك الله . وتذكر بأنَّ السمعَ والطاعة لوليّ أمر المسلمين في المعروف أصلٌ من أصول الدين ﴿يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلأمْرِ مِنْكُمْ﴾ وفي البخاري ومسلم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر، فإنّه مَن فارق الجماعة شبرًا فمات فميتة جاهليّة» .

وقسم التبس عليه الأمر، حائرون مترددون، شاكون متوقفون ،لا يدرون من يصدقون ،اختلطت عليهم الأوراق، هؤلاء يدّعون الجهاد، ويستدلون بآيات الكتاب، ويعلنون العداء لأمريكا، ويقولون أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، باعوا أنفسهم رخيصة لتحقيق مآربهم، منهم الحافظ لكتاب الله، ومنهم الصوام القوام، فلا يعقل أن يكون أولئك على ضلال .

فيقال لهم لا تغتروا بالدعاوى، وتأملوا كتاب الله فليست العبرة بالإخلاص لله في العمل فقط ، بل لا بد من موافقة هدي النبي صلى الله عليه وسلمافيه، ألم يقل الله عز وجل عن أقوام ﴿وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً﴾ ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخوارج «تحقرون صلاتكم عند صلاتهم» ومع ذلك «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» فالعبرة ليست بالمظاهر والدعاوى، ولكن بتحكيم كتاب الله، وصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بفهم سلف الأمة، العلماء الربانيين، والأئمة المهديين، لا بفهم حدثاء الأسنان، الذين يأخذون ببعض ويتركون بعضاً ، يزعمون أنهم سيخرجوناالمشركين من جزيرة العرب وما علموا أنهم بفعلهم هذا سيعيدونهم إليها، أتظنون أن أعداء الأمة سيتركون مصالحهماالاقتصادية، وأكبر مخزون نفطي في العالم بلا حماية، أليس من المتوقع أن تطالب تلك القوى بحماية المنشآت النفطية بقوى دولية، بحجة اهتزاز الأمن في هذه البلاد، وعدم قدرتنا على حماية مقدراتنا . وقد صرحوا بذلك ، فهل سيخرجون المشركين أم سيعيدونهم ؟

أما ادعاؤهم للجهاد، فما عرف الجهاد إلا لإقامة دين الله لا لهدمه، وشرع بين المسلمين والكفار لا لقتل المسلمين والمستأمنين، واغتصاب الممتلكات والفرار بالسيارات ، والتخفي بالعباءات ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ .

أما إعلان عدائهم لليهود وأمريكا، فما سمعنا بأن شارع الوشم في واشنطن،أو أن الخبر حي في تل أبيب . وما عرفنا جنودنا إلا مسلمين موحدين، ما رأيناهم يلبسون الصلبان، ولا يؤلهون المسيح . ولا يمجدون نجمة داود .

وأما قولهم بأنهم يرغبون في الخروج من هذه البلاد لكنهم لا يستطيعون، فيقال لقد كانوا إلا قليلاً منهم خارج هذه البلاد، وحانت لهم الفرصة لقتال الأمريكان، لكنهم فروا من أمامهم لهذه البلاد، بعد أن نالوا من التدريب أشقه، ومن التخطيط أدقه، ومن التشريك أحدثه، ألا فلتعلموا بأن الأمر مبيت، ولكن الله غالب على أمره .

الخطبة الثانية:

أمّا بعد: فاعلموا أنّ الدهرَ مشحونٌ بطوارقِ الغِيَر، مشوبٌ صَفوُ أيامِه بالكدَر، ولا محيصَ عن القدر المقدور، ولا رادَّ للأمر المسطور.

أيها المسلمون: إنّ هذه البلادَ المباركة،اهي موئلُ العقيدةِ ومأرِزُ الإيمان وجزيرةُ الإسلام ومحَطُّ الأنظار ، في جميع الأمصار ، ومهوَى أفئدةِ الحجَّاجَ والعُمَّار ،اوستظلُّ بحولِ الله بلدًا آمنًا مطمئنًّا ، ساكنًا مستقرًا ، متلاحمًا متراحمًا، وإن رغمت أنوفٌ ، بلادنا محسودَة،وبالأذى مقصودَة، لا تسلَم من مُعادٍ وحاقِد، ومناوٍ وحاسِد. ولقد مرّت بنا أحداث جِسام ، ووقائعُ عِظام، يشيب الولدان لهَولها، ويتصدّع القلب حزنًا لفظاعتها، ويعجز القلم واللّسان عن تصوير مآسيها ، حوادث في نظر الإسلام هي كبرى، نالت ضروريات الدّين و الدنيا ، وأضرّت بالبلاد والعباد جميعًا ، ظلمٌ صارخ ، وعدوان سافِر ، يمارَسُ باسم الجهاد .

أيها المسلمون: إنَّ الأيام دُوَل، وربّما صحَّتِ الأبدانُ بالعِلَل، وإنّ دماءَ القتلَى وأشلاءَ الجرحى وآهاتِ الثكلَى ستكون الطوفانَ الذي يُغرِق الطغيان، وإنَّ دويَّ الانفجارات وضجيجَ الرشاشات سيوقظ أمَّةً طالما ابتعدت عن علمائها، وتناست حقوق ولاة أمرها؛ لتكونَ حممًا تحرِق البغاةَ، وإعصارًا فيه نارٌ يدمِّر الطغاةَ ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ .

أيّها المسلمون، الجماعةُ منَعَة، والفرقةُ مَهيَعة، الجماعةُ لُبّ الصَّواب، والفرقةُ أسُّ الخراب، الفرقةُ بادرةُ العِثار ، وباعثةُ النِّفار، تحيلُ العَمار خرابًا، والأمنَ سرابًا. وإنَّ أعداءَ الملّة لا يألون جهدًا في محاولةِ تفريق الكلمةِ ، وتمزيق الصفّ، صدعًا للأُمّة، وقطعًا للعُروة، ليُحكِموا السيطرةَ ويفرِضوا الهيمنة، ومتى عمت الأهواء ، وتبايَنتِ الآراء ، وتناثرتِ القلوب ، واختلفتِ الألسن ، وقع الخطرُ بأكمَله وجثمَ العدوُّ بكلكلِه.

أيّها المسلمون: إنه لا اتفاقَ لكلمةٍ ، ولا انتظامَ لشتات ، ولا سلامةَ من عاديات التفرّق ، إلا بتوحيدِ الكلمة على كلمةِ التوحيد ، واجتماعِ المشارِب على المنهج السَّديد ، والطريق الرشيدِ ، كتابِ الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم بفهم سَلفنا الكرام ، وذلك هو المخرَج من كلِّ بلاء ، والنجاةُ من كلِّ لأواء.

وإنّ هذه القلاقلَ إنما تُدفَع بالتوبة والاستغفار، وتُرفَع بالتضرُّع والافتقارِ والإقلاع عن الذنوب والأوزار، فالأمنُ بالدين يبقَى، والدين بالأمن يقوى، ولم يُبتَل المسلمون اليومَ بنقمةٍ نازلةٍ ، ولا بنعمةٍ زائلة ، ولا شدّةٍ ولا كارثة ، إلا بسببِ فُشوِّ المعاصي ، وظهورِ المنكَرات ، وانتشارِ المحرّمات ، بلا نكيرٍ ولا تغيير ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ .

ألا فكونوا يداً واحدة، مع علمائنا وولاة أمرنا ورجال أمننا، لنتصدى لهذه الفتنة العمياء، وهذه الفئة الضالة، عسى الله أن يردها للحق، وأن يخمد هذه النار، وأن يحفظ علينا أمننا واستقرارنا .