من مظاهر الشرك

بسم الله الرحمن الرحيم

من مظاهر الشرك

عباد الله: اتقوا الله في الورد والصَدَر، وراقبوه فيما بطن من الأمور وظهر، واعبدوه حق عبادته في الآصال والبُكر، واشكروا نعمه فقد تكفّل بالمزيد لمن شكر، وخافوا مقامه واحذروا بطشه كل الحذر ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ .

أيها المسلمون: اقدروا الله حق قدره، وانظروا في دلائل عظمته، وتفكروا في آلائه وآياته، وملكه وسلطانه، وعجائب خلقه وإبداعه؛ لتزدادوا به إيماناً، وتخرّوا له إذعاناً وخضعاناً ﴿وَفِى ٱلأَرْضِ ءايَـٰتٌ لّلْمُوقِنِينَ﴾ خلقٌ هائلٌ عجيب، كونٌ عظيم مَهيب، شرق وغرب، سلم وحرب، يابس ورطب، أجاج وعذب، شموس وأقمار، رياح وأمطار، ليل ونهار، وحبّ ونبات، وجمع وأشتات، أحياء وأموات، وآيات في إثرها آيات ﴿فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ﴾ .

يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه: كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له: عُفير، فقال: «يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله عز وجل أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً» متفق عليه.

أيها المسلمون: إن من أظلم الظلم ، وأعظم الإثم ، الإشراك بالله، وصرف خالص حقه لغيره، وعدل غيره به ﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾.

احذروا الشرك وطبائعه، ووسائله وذرائعه، واعلموا أن العلم به طريقُ الخلاص منه، يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: «كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني». متفق عليه.

أيها المسلمون: إن مما يؤسف له ، وقوع بعض المسلمين ممن قصر في العلم باعهم، وقلّ في شرع نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم نظرهم واطلاعهم، وقوعهم فيما يناقض أصل التوحيد المقصود، أو كمالَه المنشود، مما يوجب التنويه والتنبيه ، جاءت براهين القرآن الساطعة، وحججُ السنة القاطعة ، ببيانها أيما بيان، وإيضاحِها بما يروي الظمآن، ويغيث اللهفان، ويهدي الحيران، ويظهر أولياء الرحمن على أولياء الشيطان .

عباد الله : إن من تحقيق التوحيد الاحتراز من الشرك بالله في الألفاظ والمباني، حتى ولو لم يُقصد قبيحُ المعاني، والحلف بغير الله شرك أصغر، وصاحبه على إثم وخطر، يقول صلى الله عليه وسلم «منحلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» حم

فلا يجوز الحلف بنبي أو ولي أو جني ، أو الكعبة أو الشرف أو الأمانة، لا يجوز الحلف إلا بالله أو أسمائه أو صفاته .

اجتنبوا الألفاظ الشركية ، والكلماتِ المنهية ، المقتضيةَ مساواةِ الخالق بالمخلوق، كقول: ما شاء الله وشئت، ولولا الله وأنت ، ومالي إلا اللهُ وأنت، وتوكلت على الله وعليك، وما جاء في معناها. ففي مسند الإمام أحمد أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ما شاء الله وشئت فقال صلى الله عليه وسلم : «أجعلتني لله نداً؟! بل ما شاء الله وحده» عباد الله: توسلوا إلى الله بأسمائه الحسنى وصفات العلى، توسلوا إليه بإظهار حاجتكم وضعفكم وافتقاركم إليه جل وعلا، توسلوا إليه بالعمل الصالح الحميد، وأعظمه تجريد التوحيد. توسلوا إليه بالتوسلات المشروعة، وإياكم والألفاظ المبتدعة ، والتوسلات المخترعة، كالتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بركته أو حقه، أو حق الأولياء، أو غير ذلك .

أيها المسلمون: احذروا ما يفعله الطغام ، وبعض العوام ، من التعلق بالتمائم والعزائم، فيلبسون الحلق والخيوط، وينظمون الودعات، ويعلقون الحروز والعظام والخرزات، ويحملون أنياب الذئاب وجلود الحيوانات، يعلقونها على الرقاب والدواب والأبواب، معتقدين دفعها الضراء ، ومنعها عين العائنين ، وحسد الحاسدين، ومن ذلك ما انتشر في شوارعنا اليوم ، مما نراه معلقا على أطراف بعض السيارات ، من خرق سوداء ، يعلقونها دفعا للعين بزعمهم ، وكل ذلك من الإشراك ، الموقع في الردى والهلاك ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَـٰشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدُيرٌُ﴾ .

عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر على عضد رجل حلقةً من صفر، فقال: «ما هذه؟» قال: من الواهنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنها لا تزيدك إلا وهناً، انبذها عنك، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً» رواه أحمد

أيها المسلمون: إياكم والذهابَ إلى السحرة والكهان ،والمشعوذين والعرافين والمنجمين، وأهلِ الأبراج وقراءة الكف والفنجان ، الذين يدعون علم المغيبات، والكشف عن المضمرات، فإنهم أهل غش وتدليس، وخداع وتلبيس، ونمنمات وتمتمات، وخرافات وخزعبلات، واستعانة بالجن واستغاثات، فاحذروا عباد الله إتيانهم أو سؤالهم أو تصديقهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» رواه أحمد

الخطبة الثانية

أيها المسلمون: حافظوا على صفاء التوحيد من الكدر، وكونوا من لوثات الشرك على حذر، واعلموا أنه لا يجوز التبرك بشجرٍ أو قبرٍ أو حجرٍ، أو بقعة أو غارٍ أو عينٍ أو أثر، فعن أبي واقد الليثي رضي الله عنه أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حُنين، وكان للكفار سدرة يعكفون عندها، ويعلقون بها أسلحتهم ؛ يقال لها: ذاتُ أنواط، فمروا بسدرة ، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذاتَ أنواط كما لهم ذاتُ أنواط؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿ٱجْعَلْ لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ إنها السنن، لتركبن سنن من كان قبلكم» رواه أحمد

أيها المسلمون: إن من الإشراك الاستغاثة بالأموات،ودعاؤهم ونداؤهم وسؤالهم قضاء الحاجات، وتفريج الشدائد والكربات، والتقرب لهم بالذبح والنذور، وبالطواف على القبور، وبتقبيل الأعتاب والجدران والستور ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَـٰفِلُونَ﴾ ، التشاؤم بالأيام والشهور، والتطير بالطيور، من أعمال الجاهلية، التي جاءت بإبطالها الشريعة الإسلامية، وليس التشاؤم بالذي يغيّر القدر، ولا شهر صفر بالذي يأتي بالضرر، ففي البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر» .

وبعدُ أيها المسلمون: فلقائلٍ أن يقول ، هل يُعقل في أزمنةِ الحضارة المادية والثقافات العولمية ، ودائرة الأقلام السيّالة ، أن تتسرَّب لوثة عبادة الأصنام وتعظيمها إلى مجتمعاتها المعاصرة؟! فالجواب: نعم ولا عجب ،إذا تنسّخ العلم، وضعف الدين في النفوس . فلقد خاف النبي صلى الله عليه وسلم من الشرك على أمته، بل لقد بيّن أنه سيقع في آخر الزمان، فقد روى أبو داود في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تعبُد قبائل من أمتي الأوثان» .

روى ابن جرير وابن أبي حاتم أن إبراهيم التيمي قال في قوله تعالى عن إبراهيم: ﴿وَٱجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأصْنَامَ﴾ "ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم عليه السلام؟! فلا يأمن الوقوع في لوثة الأصنام والتماثيل ، إلا من هو جاهل بها، وبما يُخلّص منها، من العلم بالله ، وبما بعث به رسولَه صلى الله عليه وسلم، من التوحيد الخالص والنهي عن الشرك به .

فاتقوا الله عباد الله ، وحققوا التوحيد ، فإنه حق الله على العبيد ، به تصلح الأحوال ، ويطيب المآل .