محبة الرسول صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

محبة الرسول صلى الله عليه وسلم

الحمد لله الذي من علينا بالنبي الكريم، وهدانا به إلى الصراط المستقيم، واستنقذنا به من الضلال والعذاب الأليم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العظيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الرحيم، الذي قال الله فيه ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم في هديهم القويم... أما بعد:

عباد الله: إذا نطق الناطقون، وهام العاشقون، وجادت قرائح الشعراء، ونطقت ألسن البلغاء، وأجاد في وصفهم الأدباء، أخرسهم قول أفضل البشرية، ورسول رب البرية، فعند (خ) من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده، والناس أجمعين» فمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم من شروط الإيمان، وسبب لدخول الجنان، فلقد بعثه الله رحمة للعالمين، وهدى للمتقين، وحجة على العالمين.

وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا أخبركم بأول أمري: أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي» (حم وقال ابن كثير : إسناده جيد).

فدعوة أبي إبراهيم: حيث قال ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ .

وبشارة عيسى: إذ يقول الله عنه ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ

ورؤيا أمي: حيث رأت أمه آمنة بنت وهب كأنه خرج منها نور عظيم، أضاءت به قصور الشام، وذلك للتنبيه على عظيم منة الله تعالى به، وعموم رسالته، وشمول نفعه للعالمين،  فهذا النور العظيم، الذي فاض على العالم برسالته، أعظم من نور الشمس والقمر، وأنفع للعباد من الغيث الكثير المنهمر، نور استنارت منه المشارق والمغارب والأقطار، ملأ الله به القلوب علما ويقينا وإيمانا، وشمل البسيطة عدلا ورحمة وخيرا وحنانا، طهر الله به الأخلاق من جميع الرذائل، واستَكملت به جميع الفضائل، واستبدل به المؤمنون بعد الشرك إخلاصا لله وتوحيدا، وبعد الانحراف عن الحق هداية واستقامة وتوفيقا، وبعد الفتن والافتراق ألفة ومحبة واعتصاما، وبعد القطيعة والعقوق رحمة وصلة وبرا، وبعد الظلم  والجور وسوء المعاملات عدلا ووفاء. نور كسب به العباد بعد الفساد صلاحا، وبعد الشقاء والهلاك فلاحا ونجاحا. نور نشر عدله ورحمته على الأقطار، فصلحت به الأحوال، وكثرت الخيرات وانجلت به الشرور والهلكات. لم يزل ذلك النور سراجا وهاجا، إذ أهله به متمسكون، وبنوره مقتدون. فلما استبدلوا بهذا النور الظلمات، وانفصلوا أو كادوا من حبله المتين، وتقاطعوا وتدابروا، وتباغضوا وتنافروا، وذهبت عنهم الغيرة الدينية، وتباينت الأغراض، وكثرت الأضرار، جاءهم ما كانوا به يوعدون، من العقوبات العاجلة، تكالبت عليهم الأعداء، وتشتت الأصدقاء، فلم يزالوا في نزول، ماداموا معرضين عن تعاليم هذا الدين، ولا يزالون في هبوط، ما داموا متعشقين لأحوال المنحرفين، ولا – والله – ينقذهم مما هم فيه من الشقاء، إلا الرجوع إلى دينهم، الكفيل لهم بكل خير وصلاح، ولا ينجيهم مما وقعوا فيه إلا التمسك بحبل الله، والاجتماع على القيام بدين الله. 

عباد الله: محبته صلى الله عليه وسلم المحبة الشرعية سبب لمرافقته في الجنة، في (خ) عن ابن مسعود أنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المرء مع من أحب».

ولقد ضرب أصحابه أروع الأمثلة في محبته صلى الله عليه وسلم، فقد كانوا يقدمونه على الآباء، فهذا عبدالله بن أبي بن سلول يمر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو في ظل أطم، فقال عبر علينا ابن أبي كبشة. فقال ابنه عبدالله: يا رسول الله والذي أكرمك لئن شئت لآتينك برأسه. فقال صلى الله عليه وسلم «لا ولكن بر أباك وأحسن صحبته».

وهذ أبو بكر يأتيه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر الظهيرة في ساعة لم يكن يأتيه فيها، فقال أبو بكر فدى له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعةِ إلا أمر، فقال صلى الله عليه وسلم أخرج من عندك، فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم «فإني قد أذن لي في الخروج» فقال أبو بكر الصحبة بأبي أنت يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم نعم، فبكى أبو بكر، تقول عائشة فما كنت أصدق أن أحداً يبكي من شدة الفرح إلا يوم ذاك .

وهذا أنس بن النظر يمر على نفر من المسلمين جالسين في معركة أحد، فقال ما أجلسكم ؟ قالوا : قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال : فما تصنعون بالحياة بعده، قوموا فموتوا على ما مات عليه، ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل، ووجد به بضعة وسبعون ضربة، وما عرفته إلا اخته بإبهامه .

وهذا أبو سفيان – وهو يومئذ مشرك – يقول لزيد بن الدَثِنة – وقد قدم للقتل – أنشدك بالله يا زيد : هل  تحب أن محمداً مكانك، تضرب عنقه وأنت في أهلك، فقال له زيد، والله ما أحب أن محمداً الآن مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة، وأني جالس  في أهلي، فقال أبو سفيان : ما رأيت أحداً من الناس يحب أحداً كحب أصحاب محمد  محمداً

 وهذا عمرو بن العاص وهو يجود بنفسه يبكي طويلاً ، ويحول رأسه إلى الجدار، فيقول له ابنه : يا أبتاه : أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، قال : فأقبل بوجهه فقال : إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، إني قد كنت على أطباق ثلاث، لقد رأيتني وما أحد أشد بغضاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أحَبَّ إلي أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام في قلبي، أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه، وما كنت أُطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عيني منه.

 فلا إله إلا الله محبة وإجلال، تضحية وفداء .

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

عباد الله: هكذا كانوا فكونوا "من كان مستناً فليستن بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا خير هذه الأمة، أبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الهدى المستقيم والله رب الكعبة" .

يا من تشتاق إلى رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ، وتأمل لقياه، يا من يحدوك الوجد إلى الأنس بمرافقته، قد عرفت طريق صحبته، فهل أنت لها سالك، وقد بانت لك الجادة، فهل أنت عليها سائر، وقد اتضحت لك المعالم، فهل أنت إليها قاصد. محبة النبي صلى الله عليه وسلم باتباعه، محبته بالتحلي لا بالادعاء والتمني.

 لو سئل  مسلم فقيل أتحب النبي صلى الله عليه وسلم ؟لما تردد في الجواب، ولما حاد عن الصواب، ولكن ما دليل هذه المحبة:

تعصي النبي وأنت تزعم حبه *** هذا لعمري في القياس شنيع

لو كان حبك صادقاً لأطعته *** إن الـمحب  لمن يحب مطيع

لو كان حبك صادقاً ما تخلفت عن الصلاة ، وحبيبك صلى الله عليه وسلم وهو في سكرات الموت يقول «الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم» لو كان حبك صادقاً ما غششت  رعيتك ، وخنت أمانتك، فاشتريت طبقاً يصب في بيتك الخنا والفجور، ويعلم نساءك التبرج والسفور،  وحبيبك صلى الله عليه وسلم يقول «ما من عبد يموت حين يموت، وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» لو كان حبك صادقاً،  ما استمعت إلى الحرام، وحبيبك صلى الله عليه وسلم «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف» لو كان حبك صادقاً لأحسنت تربية رعيتك فقد قال حبيبك صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته». لو كان حبك صادقاً ما أكلت الحرام وحبيبك صلى الله عليه وسلم يقول عن رجل «يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام ... فأنى يستجاب لذلك» لو كان حبك صادقاً، لأتمرت بأوامر حبيبك صلى الله عليه وسلم ، ولانتهيت عن نواهيه فقد قال ربك جل وعلا ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ .

عباد الله: حق علينا الوقفة الصادقة، محاسبة ومساءلة، فوالله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتجزون بما كنتم تعملون، فجنة للمطيعين، ونار للعاصين ﴿أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ القِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ .