قصة موسى وعاشوراء

بسم الله الرحمن الرحيم

قصة موسى و عاشوراء

فقد رأى فرعون رؤيا، فُُسرت بأن هلاكه وذهاب ملكه، سيكون على يد غلام يولد من بني إسرائيل، فاستشاط غضباً، وأصدر أوامره بذبح كل مولودٍ ذكر من بني إسرائيل، وأخذ يستخدم كبار رجالهم ونسائهم في الأعمال الشاقة ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى ٱلأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مّنْهُمْ يُذَبّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْىِ نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ

ولكن الله تعالى يريد غير ما يريد فرعون، ويقدّر غير ما يقدر الطاغية، والله يعلن إرادته، ويكشف عن تقديره، ويتحدى فرعون وهامان ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِى ٱلأرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ

ويولد موسى عليه السلام في هذه الظروف، والخطر محدق به، والموت يلتف عليه، وتحتار أمه، وترجف خشية أن يقتل، ويوحي إليها ربها ﴿أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِى ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِى ٱلْيَمّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لّى وَعَدُوٌّ لَّهُ﴾ وإذا بفرعون يبحث لموسى عن المراضع، ويأتيه بهن واحدة بعد الأخرى حتى آل إلى أمه ﴿كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ﴾ ويتربى موسى في قصر فرعون تحت رعايته وإشرافه، وفرعون يوفر له كل احتياجاته ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَـٰطِئِينَ﴾ وتنتهي مدة الرضاع وفترة الصِّبا، ويبلغ موسى أشده، ويستوي عوده، ويكتمل نضجه ، وبينما موسى يتجول في المدينة ﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوّهِ فَٱسْتَغَـٰثَهُ ٱلَّذِى مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِى مِنْ عَدُوّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ﴾ فأجمعوا أمرهم ليقتلوه، فنصحه ناصح بالخروج من البلاد ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ﴾ حتى دخل مدين وكانت قصة المرأتين  ، ثم عاد إلى مصر التي قَتل فيها رجلاً بالأمس! مصر التي خرج منها خائفاً يترقب ﴿فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِى أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ﴾  وفي الطريق ﴿إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لاِهْلِهِ ٱمْكُثُواْ إِنّى ءانَسْتُ نَاراً لَّعَلّى اتِيكُمْ مّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى﴾ فأتى موسى هذه النار فإذا هي نور عظيم، وعندها خير كثير ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى (11) إِنّى أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِى أَنَا ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلا أَنَاْ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِى

وبهذا نُبئ موسى عليه السلام، وأرسل حين قال له ربه ﴿ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ﴾ فسأل الله العون ﴿قَالَ رَبّ ٱشْرَحْ لِى صَدْرِى (25) وَيَسّرْ لِى أَمْرِى (26) وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مّن لّسَانِى (27) يَفْقَهُواْ قَوْلِي (28) وَٱجْعَل لّى وَزِيراً مّنْ أَهْلِى (29) هَـٰرُونَ أَخِى﴾ فقال الله له ﴿ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـئَايَـٰتِى وَلاَ تَنِيَا فِى ذِكْرِى (42) ٱذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ﴾ فتمرد فرعون واستكبر وأخذته الحمية ، والنفس الخبيثة الأبية، وقوي بأسه وتولى بركنه، وادعى ما ليس له، وتجرأ على الله وعتا وبغى، وأهان حزب الإيمان . ويبدأ موسى عليه السلام في دعوة فرعون وملئه ، ويصر أولئك على الكفر والمعاندة، ويستمر موسى بالقول تارة،وبالحجة الباهرة أخرى، ويؤكد موسى وهارون عليهما السلام نبوتهما بالبراهين القاطعة ، والمعجزات الظاهرة، لكن فرعون يصر على عناده ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ .

 والله تعالى يحفظ رسوله موسى وأخاه هارون _ عليهما السلام _ ويحوطهما بعنايته ، ويحرسها بعينه التى لا تنام، ولم تزل المحاجة والمجادلات والآيات تقوم على يدي موسى شيئا فشيئا ، ومرة بعد مرة مما يبهر العقول ويدهش الألباب، ولا يأتي به إلا من هو مؤيد من الله ، وفي الليلة الموعودة خرج موسى ببني إسرائيل، وعلم فرعون بخروجهم فجمع الجموع وخرج في طلبهم ﴿فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءا ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَـٰبُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى أَنِ ٱضْرِب بّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ﴾ أي كالجبل العظيم، وصار البحر اثني عشر طريقاً لكل سبط طريق، وجاوز بنو إسرائيل، فلما خرج آخرهم كان فرعون قد انتهى إلى شاطئ البحر، فوقف متردداً أيعبر خلفهم؟ أم يرجع وقد كُفيهم؟

حتى إذا ادّاركوا في البحر جميعاً، جاءهم الموج من كل مكان ، وجعل يرفعهم ويخفضهم، وتراكمت الأمواج فوق فرعون، وجاءته سكرة الموت فنادى ﴿لا إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِى ءامَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرٰءيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ (90) فقيل له ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ (91) فَٱلْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءايَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ ءايَـٰتِنَا لَغَـٰفِلُونَ﴾ ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾.

الخطبة الثانية:

أيها المسلمون

صام موسى يوم عاشوراء ، من شهر الله المحرم شكراً لله على النصر للمؤمنين، وصامه محمد صلى الله عليه وسلم  والمؤمنون، ولا يزال المسلمون يتواصَوْن بسنة محمد صلى الله عليه وسلم بصيام هذا اليوم، ويرجون بره وفضله.

في (خ) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: «ما هذا؟» قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجَّى اللهُ بني إسرائيل، من عدوهم فصامه موسى قال: «فأنا أحقُّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه»

وفي رواية مسلم قال: «هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكراً لله تعالى فنحن نصومه».

وقد قال صلى الله عليه وسلم بشأنه: «يكفر السنة الماضية» رواه مسلم وفي لفظ: «صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله». وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم بصوم يوم التاسع ، إضافة إلى العاشر ، مخالفةً لليهود والنصارى، فعند (م) عن ابن عباس قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع» قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

عباد الله، نحن الآن في شهر الله المحرم وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم الترغيب في صيامه حيث قال كما عند مسلم «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم» .

ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم يُصوِّمون فيه صبيانهم تعويداً لهم على الفضل ، ففي (خ) عن الربيع بنت معوذ قالت أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار «من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم» قالت: فكنا نصومه بعدُ ونُصوِّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار.

عباد الله : اعلموا أن يوم عاشوراء لا يميز عن غيره من الأيام بفرح أو حزن، إذ إن هذا من صنيع الضالين والمبتدعين، فهو عند الرافضة يوم مأتم وحزن بحجة أنه اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي رضي الله عنه .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن ذلك : فصارت طائفة جاهلة ظالمة ، إما ملحدة منافقة، وإما ضالة غاوية ، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، وتظهر فيه شعار الجاهلية ، من لطم الخدود ، وشق الجيوب ، والتعزي بعزاء الجاهلية ،  وإنشاد قصائد الحزن، ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصدق فيها ليس فيه إلا تجديد الحزن والتعصب ، وإثارة الشحناء والحرب، وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام ، والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين، وشر هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام ، لا يحصيه الرجل الفصيح في الكلام. اهـ كلامه رحمه الله تعالى.

فاحتسبوا أيها المؤمنون، وارغبوا في صيام عاشوراء رجاء أن تشملكم رحمة الله ومغفرته، وجددوا لله تعالى التوبة في كل حين.