شكر النعم وطلب العون على الطاعات

بسم الله الرحمن الرحيم

شكر النعم وطلب العون على الطاعات

الحمد لله الذي أتم إحسانه على المؤمنين وكمل, وكفى بحسن تأييده من على كرمه عول, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المتفرد بالعز والبقاء فلا ينقص ملكه ولا يتحول, له الأسماء الحسنى, وله الصفات العلى، وقد خاب من ألحد في أسمائه وعطل, نحمد الله على ما من به علينا من مواسم الخيرات, وما تفضل به من جزيل العطايا والهبات, مسبغ النعم، رافع النقم، مجيب الدعوات، فارج الكربات, ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أكمل الخلق وأفضل البريات, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسموات, وسلم تسليما.

عباد الله: اعلموا أن هذه الشهور والأعوام، والليالي والأيام، مقادير الآجال ومواقيت الأعمال, ثم تنقضي سريعا، وتمضي جميعا, والذي أوجدها وابتدعها وخصها بالفضائل باق لا يزول، دائم ولا يحول, هو في جميع الأوقات إله واحد ولأعمال عباده رقيب مشاهد, فسبحان من قلب عباده في اختلاف الأوقات، بين وظائف الطاعات, ليسبغ عليهم فيها فواضل النعم, ويعاملهم بنهاية الجود والكرم، لمّا انقضت الأشهر الثلاثة المفضلة التي أولها الشهر الحرام وآخرها شهر الصيام, أقبلت الأشهر الثلاثة أشهر الحج إلى بيت الله الحرام, فكما أن من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه، فكذلك من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه, فما يمضي من عمر المؤمن ساعة من الساعات، إلا ولله فيها عليه وظيفة من وظائف الطاعات, فالمؤمن يتقلب طول العمر بين هذه الأوقات, ويتقرب بها إلى مولاه, وهو راج خائف, وليس لعمل المؤمن أجل دون الموت, قال الله: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ﴾ وفي الحديث الذي يروى عن قيس بن عاصم قال: قلت: يا رسول الله عظنا موعظة ننتفع بها, قال: «يا قيس إن مع العز ذلا, وإن مع الحياة موتا, وإن مع الدنيا آخرة, وإن لكل شيء حسيبا.. وعلى كل شيء رقيبا, وإن لكل حسنة ثوابا.. ولكل سيئة عقابا, وإن لكل أجل كتابا, وإنه لابد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي, وتدفن معه وأنت ميت فإن كان كريما كرمك, وإن كان لئيما أسلمك ثم لا يحشر إلا معك, ولا تبعث إلا معه ولا تسأل إلا عنه, فلا تجعله إلا صالحا، فإنه إن كان صالحا لم تستأنس إلا به, وإن كان فاحشا لم تستوحش إلا منه, وهو عملك».

عباد الله: إن من أعظم نعم الله على عبده، أن يعينه على أداء طاعته، فعون الله لعبده على طاعته من البشائر المعجلة لقبول العمل، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" تأملت أنفع الدعاء، فإذا سؤال العبد العون على مرضات الله، ثم رأيته في الفاتحة في ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ " أ. هـ ولعظيم شأن الاستعانة بالله تعالى على طاعته أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذا رضي الله عنه بقوله: «يا معاذ إني أحبك، فلا تدع أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».

عباد الله: إن من لازم بقاء النعم ودوامها، أن تُشكر فلا تكفر، فشكر النعم موجب لزيادتها بوعد الله تعالى، والله لا يخلف الميعاد ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾. وإن من شكر النعم: أن يلهج لسان العبد بشكر المنعم والمتفضل بها، وأن يعتقد العبد أنه لولا الله لم تتيسر نعمة من تلك النعم. فالزموا شكر نعم الله عليكم، وسلوا الله المزيد من فضله، فلقد كان أنبياء الله ورسله عليهم السلام، أعظم الناس شكرا لنعم الله، كما قص الله عنهم وأخبر في كتابه، فعن نوح ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً﴾ وعن إبراهيم ﴿شَاكِراً لأَنْعُمِهِ﴾ وعن آل داود ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتفطر قدماه، فقيل له في ذلك: فقال: أفلا أكون عبدا شكورا. اللهم أصلحنا وأصلح أعمالنا وتقبل منا إنك سميع مجيب.

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

عباد الله: إن من الحرمان أن تفوت الأيام الفاضلة، وبهجة العيد، وتبقى الحزازات في نفوس بعض الناس: تهاجر وتشاحن، تباغض وتدابر. ألا فاتقوا الله معشر المتباغضين والمتقاطعين، سارعوا إلى إصلاح ذات بينكم، وكونوا عونا لأنفسكم وإخوانكم على الشيطان، ولا تكونوا عونا للشيطان على أنفسكم وإخوانكم. فإن من كمال الشريعة هذا العيد الذي يجتمع فيه المسلمون، يفرحون بنعمة ربهم عليهم، يزدادون تآلفا وتواصلا، فلك اللهم الحمد والشكر على عظيم نعمك.

 واعلموا- رحمكم الله- أن هذه الأيام الثلاثة هي أيام التشريق التي لا يجوز صيامها, كما لا يجوز صيام يوم العيد, وهي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل» , فأكثروا فيها من ذكر الله بالتكبير والتهليل والتحميد في أدبار الصلوات، وفي جميع الأوقات، واحفظوا أوقاتكم من اللغو والرفث، وكونوا لبنات خير ونفع لمجتمعكم.

واعلموا أن أفضل الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها, وإياكم والانحراف خلف التيارات المنحرفة التي تصدكم عن دينكم وتعوقكم في السير إلى ربكم خلف نبيكم، فإن كل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة, اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين, اللهم انصرنا على أعدائنا وأصلح أمورنا واهد ولاتنا لما فيه الخير والصلاح في ديننا ودنيانا إنك جواد كريم ربنا وتقبل منا صالح أعمالنا وتجاوز عن سيئاتنا, اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات, اللهم نور على أهل القبور من المسلمين قبورهم واغفر للأحياء منهم ويسر لهم أمورهم, ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا, ومتعنا اللهم يوم القيامة بالنظر إلى وجهك الكريم يا أرحم الراحمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين وانصر عبادك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين اللهم لا تدع لنا في هذا اليوم ذنبا إلا غفرته ولا مريضا إلا شفيته ولا عيبا إلا سترته ولا بلاء إلا رفعته ولا ضالا إلا هديته ولا ظالما إلا قصمته ولا تائبا إلا قبلته ولا مدينا إلا قضيته عنه يا ذا الجلال والإكرام.

ربنا تقبل منا صالح أعمالنا وتجاوز عن سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار, اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار.