أحكام زكاة الفطر والعيد

بسم الله الرحمن الرحيم

أحكام زكاة الفطر والعيد

26/9/1429هـ(غ)

فإن قلوب الصالحين إلى هذا الشهر تحنّ، ومن ألم فراقه تئن، وكيف لا وقد نزلت فيه رحمة رب العلمين؟! كيف لا تدمع على فراقه عيون المحبين ، تذكروا وأنتم تودّعون شهركم سرعة الأيام، ففي مرورها وسرعتها عظة وعبرة ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ بالأمس القريب استقبلناه، وغدا نودعه، فيا من وُفّق للاجتهاد بالعمل الصالح في هذا الشهر، ها قد انقضى الشهر، فهل تتذكر ألمَ الجوع والعطش ؟! أم هل أجهدك القيام؟! لقد ذهب التعب والنصب وثبت الأجر إن شاء الله. قد كنت من أول الشهر تقوم لله وتصلي، وتسجد وتقرأ وتذكر، وغيرك لم ينفك عن التعب، فقد قام لكن لهواه، واجتهد لكن في تحصيل دنياه، أضاع ليله ونهاره حتى ذهب عنه الشهر ولا أجر، بل هو الوزر وبئس ما فعل، وزر في رمضان؟!

أيها المسلمون: شرع الله لكم في ختام شهركم شرائع، فاعلموها لتعملوا بها ولا تضيّعوها، والأعمال بالخواتيم. شرع للمسلم في ختام الشهر إخراج زكاة الفطر، وهي فرض واجب على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد من المسلمين، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير، على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين. رواه البخاري. فمن أدركه غروب شمس ليلة العيد وهو حيٌّ مسلم وجبت عليه، ومن مات قبل الغروب أو ولد بعد الغروب لم تجب عنه. ويستحب إخراجها عن الجنين الذي في البطن.

وتخرج من عامة طعام البلد كالبر والتمر أو الأرز، لحديث ابن عباس رضي الله عنه: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نؤدي زكاة رمضان صاعًا من طعام.

ومقدار زكاة الفطر صاعٌ عن كل واحدٍ، ولا تدفع إلا لمستحقيها، وهم المساكين دون بقية الأصناف الثمانية على الصحيح، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين. (د) ويجوز أن توزّع على عدة مساكين أو تعطى لمسكين واحد.

ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، وأفضل وقت إخراجها قبل الخروج لصلاة العيد، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فإن أخرت عنها فإنما هي صدقة من الصدقات. ولا يجوز دفع القيمة بدل الطعام لأنه خلاف المنصوص عليه، قال أبو داود: سئل أحمد وأنا أسمع: يعطى دراهم؟ قال: "أخاف أن لا يجزئه؛ خلافُ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

ولا يجوز إخراج الرديء في الزكاة، فالله طيب لا يقبل إلا طيبًا ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيّبَـٰتِ مَا كَسَبْتُمْ

عباد الله: عيد الفطر يوم من أيام المسلمين ، يحرم صيامُه لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم النحر. رواه مسلم. ويسن التكبير ليلة العيد ويومه في كل مكان يمكن ذكر الله فيه.إلى أن يدخل الإمام لصلاة العيد، يرفع الرجال أصواتهم بذلك، وتخفض النساء إذا كانت بحضرة أجانب.

ويستحب الخروج لصلاة العيد للرجال والنساء، بل ذهب بعض أهل العلم كشيخ الإسلام وغيره إلى وجوب الخروج لصلاة العيد، لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحيَّض وذوات الخدور، فأما الحيَّض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين.

ويستحب التجمّل للعيد ولبس أحسن الثياب والطيب، فقد كان الصحابة يفعلون ذلك ويقرّهم النبي صلى الله عليه وسلم عليه. أما النساء فيبتعدن عن الزينة إذا خرجن، ويحرم على من أرادت الخروج أن تمسّ طيبًا أو تتعرّض للرجال بفتنة.

ويستحبّ الاغتسال قبل الخروج لصلاة العيد، فقد صحّ في الموطأ وغيره أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى، وصحّ ذلك أيضًا عن علي رضي الله عنه، قال النووي رحمه الله: "اتفق العلماء على استحباب الاغتسال لصلاة العيد".

ويستحب أن لا يخرج في عيد الفطر للصلاة حتى يأكل تمرات وترا، لما روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات.

ويستحب إتيان المصلى ماشيًا إن تيسر ذلك، فقد أخرج الترمذي من قول علي: «من السنة أن تخرج إلى العيد ماشيًا». اللهم.................................

الخطبة الثانية:

فلقد يسّر الله طرقَ الخيرات، وتابع لعبادِه مواسمَ الحسنات، وربُّنا وحدَه هو مصرِّف الأيّام والشهور، ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ جعل لكلِّ أجلٍ كتابًا، ولكلّ عملٍ حسابًا، وجعل الدّنيا سوقًا يغدو إليها النّاس ويروحون، فبائعٌ نفسَه فمعتِقها أو موبِقها، والأيّام أجزاءٌ من العُمر ومراحل في الطّريق تفنى يومًا بعد يوم، مُضيُّها استنفادٌ للأعمار واستكمال للآثار وقربٌ من الآجال وغَلقٌ لخزائن الأعمال.

إذا كان شهر رمضان قد وَدّع، وأناس في غيّها لم تَرجع، فمتى تكون اليقظة؟ ومتى يكون الرجوع؟ ومن لم تُلِنْ قلبَه المواعظُ، وتوقظه الزواجر، فليعلمْ أن النار تذيب الحديدَ، وقلبَ كل جبار عنيد.

ألا أيها المقصر ، ويا أيها المفرط وكلنا كذلك، أين مُقلتك الباكية؟! وأين دمعتك الجارية؟! وأين زفرتك الرائحة والغادية؟! لأي يوم أخَّرت توبتك؟! ولأي يوم ادخرت عودتك؟! إلى عام قابل وحول حائل؟! كلا، فما إليك مدة الأعمار، ولا معرفة الأقدار، فكم من مؤمِّل أمَّل بلوغَه فلم يبلغه، وكم من مدرِك له لم يختمه، وكم مُعِدٍّ لطيب عيده جُعِل في تلحيدِه، وثياب لتزيينه صارت لتكفينِه، ومتأهّب لفطرِه صار مرتهنًا في قبره, فاحمدوا الله ـ عباد الله ـ على بلوغ اختتامه، واسألوه قبول قيامه وصيامِه.

أيها المقصّر المفرّط، إن الفرصة مواتية، ولا زال في العمر بقية، فأحسن الختام، فالتوبة تَجُبُّ ما قبلها، والأعمال بالخواتيم. فطوبى لمن غَسَل دَرَنَ الذنوب بتوبة، ورجع عن خطاياه قبل فوات الأوبة، أمامكم ليالٍ مباركة ، ترجى أن تكون فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

أيها المسلمون: أكثروا الاستغفار في ختام شهركم، قال الحسن رضي الله عنه: "أكثروا من الاستغفار؛ فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة"، وقال لقمان لابنه: "يا بني، عوّد لسانك الاستغفار، فإن لله ساعات لا يرد فيهن سائل"، كان بعض السلف إذا صلى صلاة استغفر من تقصيره فيها كما يستغفر المذنب من ذنبه. وكتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى الأمصار يأمرهم بختم صيام رمضان بالاستغفار وصدقة الفطر، ويقول: "إن صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، والاستغفار يرفع ما تخرق من الصيام باللغو والرفث".

عباد الله: ومما يجمل في ختام الشهر الإكثار من الصدقة التي بها يُطفَأ غضب الربّ عن التقصير، ويُستَدرُّ بها عفو الله وكرمه. ﴿وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ