الحث على الزواج

بسم الله الرحمن الرحيم

الحث على الزواج

الحمد لله:

عباد الله: السعادة في هذه الحياة مطلب عظيم، ومقصد جليل، يسعى إليها كل أحد، ينشدها بكل وسيلة، ويطلبها في كل سبيل، غير أنها لا تحصل إلا بما شرع الله لعباده، وما أرشدهم إليه من طاعته ومرضاته، والأخذ بما وضع من سنن، وما شرع من أسباب.

وإن مما شرعه جل وعلا من أسباب السعادة، وجبل النفوس عليه، الارتباط برباط الزوجية، فإنه من أعظم أسباب السعادة في هذه الحياة، وحصول الطمأنينة والسكينة، وهدوء البال وراحة النفس، متى ما تحقق الوئام بين الزوجين، وكتب التوفيق لهما، ولذا امتن الله تعالى على عباده بهذه النعمة فقال ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ .

وعند (حم) أنه صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من السعادة وذكر منها الزوجة الصالحة» وعند (م) من حديث عبد الله بن عمرو أنه صلى الله عليه وسلم قال: «الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة» فالنكاح من سنن المرسلين، وهدي الصالحين، وقد أمر به رب العالمين، فقال في كتابه المبين ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا﴾ .

كما رغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله، وحث عليه بقوله، ففي (خ م) أنه صلى الله عليه وسلم قال : «وأتزوج النساء فمن رغب عن سني فليس مني». ووجه شباب الأمة إلى المبادرة بالزواج، حيث وجد أحدهم القدرة على تحمل المسؤولية، والقيام بالشؤون الزوجية، ففي (خ م) أنه قال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء».  وأرشد صلى الله عليه وسلم مريد النكاح إلى اختيار الزوجة الصالحة، ذات الدين القويم، والخلق الكريم، والمنشأ الطيب، الودود الولود، فيما خرجه (خ م) أنه صلى الله عليه وسلم قال  «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك». وعند (د ، س) عن معقل بن يسار أنه صلى الله عليه وسلم قال : «تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم».

وما عنايته صلى الله عليه وسلم  وحثه على اختيار المرأة الصالحة، إلا لما يؤمل منها، من قيام بالحقوق الزوجية، وتربية الأولاد، وبناء الأسرة على أساس من التقوى والإيمان.

أما حين تكون المرأة ضعيفة الديانة، سيئة الخلق، فإنه لا يؤمل منها بناء أسرة صالحة، ولا يتحقق بسببها هناء ولا سعادة، بل تكون سبب عناء وبلاء على الزوج.

وكثير من الناس ينخدع بجمال المرأة الظاهر، ولا ينظر إلى الجمال الحقيقي المتمثل في الدين، ومكارم الأخلاق، وطيب المعشر.

وإن مما يؤسف له يا عباد الله: أن يعمد بعض الأولياء إلى عضل من تحت ولايته من النساء، من بنات وأخوات، لأطماع مادية، أو لعادات اجتماعية، لا أصل لها في شريعة الإسلام، فيلحق بمن تحت يده من عظيم الضرر، وشديد الحسرة والألم، ما الله به عليم، زيادة على مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم حيث قال : «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».

ألا يتقي الله تعالى أولئك الأولياء في هذا الصنيع، الذي يستوجب غضب الله عليهم، ومساءلتهم عنه يوم القيامة، فقد قال صلى الله عليه وسلم : «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته».

عباد الله: لقد شرع الله عز وجل النكاح، لمصالح الخلق، وعمارة هذا الكون، ففيه مصالح عظمى، ومنافع كبرى، وإنه بقدر عناية المجتمع، وحرص الأمة على أمر النكاح، والسعي في تزويج الناشئة، وتسهيل سبله، وتيسير أسبابه، يتحقق للأمة ما تؤمل من سعادة أبنائها، وحصول الأمن والطمأنينة في مجتمعاتها. غير أن الواقع المؤلم أن كثيرا من المجتمعات المسلمة – وللأسف الشديد – قد ابتعدت عن هدي الإسلام وتشريعاته، الداعية إلى تسهيل سبل النكاح، وتيسير أسبابه، حيث يغالي البعض في طلب المهور، والتكاليف الباهظة، ويسرفون في إقامة الولائم والحفلات، ويبذلون في سبيل ذلك الأموال الطائلة، التي تبدد مال الأغنياء، وتثقل كاهل الفقراء، مما كان عائقا لكثير من الشباب عن الإقدام على الزواج، لعجزهم عن أعبائه وتكاليفه، مما ترتب عليه أيضا حرمان كثير من الفتيات من حقهن المشروع في الزواج، وعضلهن عن النكاح بالأكفاء.

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

اتقوا الله يا عباد الله في كل ما تأتون وتذرون، وتلمسوا أسباب الخير والبركة في كل ما تريدون وتقصدون.

ولتعلموا أن أقوى الأسباب في حلول البركة في الزواج، وحصول التوفيق فيه، صلاح الزوجين واستقامتهما على طاعة الله ومرضاته،  وتحليهما بآداب الإسلام وشمائله وتيسير مؤونة النكاح وتكاليفه، والبعد عن مظاهر الإسراف فيه، فذلك كله من أقوى العوامل، وأجدى الوسائل، في حصول السعادة والتوفيق في الحياة الزوجية، كما قال صلى الله عليه وسلم : «خير الصداق أيسره»، وقال صلى الله عليه وسلم : «إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة».

ولكم في رسول الله أسوة حسنة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :" فمن دعته نفسه إلى أن يزيد في صداق ابنته على صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم  اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة، وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة، فهو جاهل أحمق، وكذلك صداق أمهات المؤمنين، وهذا مع القدرة واليسار، فأما الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يُصدِق المرأة ما لا يقدر على وفائه من غير مشقة " أ.هـ

وعند أهل السن أن عمر بن الخطاب قال : ألا لا تغالوا في صداق النساء، فإن ذلك لو كان مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله لكان أولاكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فاتقوا الله واعملوا على العناية بتزويج الناشئة بنين وبنات، وتيسير أسباب النكاح، كي يقدموا عليه بارتياح وطمأنينة، ويقيموا أسرا صالحة مستقيمة، إذ بهذا تصلح الأمة ويتحقق لها ما تؤمل من عز أبنائها، ورقي مجتمعاتها، واستقامة شؤونها، وصلاح أحوالها.

ألا فلتتقوا الله عباد الله: ولتتضافر الجهود، ولا سيما من ذوي التأثير في المجتمع، من العلماء والوجهاء، والمصلحين والأدباء، وحملة الأقلام، ورجال الإعلام، في الحث على تسهيل أمور النكاح، وتيسير أسبابه ووسائله، ونشر الوعي بذلك في المجتمعات المسلمة، تحقيقا لمصالح الأمة، ودرءا للأضرار والأخطار عنها، فقد قال تعالى ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ .

اللهم وفقنا للقيام  بمسئوليتنا على الوجه الذي يرضيك عنا، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما.