التحذير من سفك الدماء

بسم الله الرحمن الرحيم

التحذير من سفك الدماء

عباد الله: إن للشيطان مدخلين على المسلمين ينفذ منهما إلى إغوائهم وإضلالهم، أحدهما: إذا كان المسلم من أهل التفريط، زين له المعاصي والشهوات ليبقى بعيدا عن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في (خ م) : «حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات». والثاني: أنه إذا كان من أهل الطاعة والعبادة زين له الإفراط والغلو في الدين؛ ليفسد عليه دينه، وقد قال الله ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ وقال صلى الله عليه وسلم كما عند (س) : «إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين».

ومن مكائد الشيطان لهؤلاء المُفْرطين الغالين أنه يزين لهم اتباع الهوى، وسوء الفهم في الدين، ويزهدهم في الرجوع إلى أهل العلم؛ لئلا يبصروهم ويرشدوهم إلى الصواب، وليبقوا في غيهم وضلالهم  ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾  وفي (خ م) عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم  تلا هذه الآية ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ﴾  فقال : «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم».

ومن سوء الفهم في الدين ما حصل للخوارج الذين خرجوا على علي وقاتلوه، فإنهم فهموا النصوص الشرعية فهما خاطئا مخالفا لفهم الصحابة، ولهذا لما ناظرهم ابن عباس بين لهم الفهم الصحيح للنصوص، فرجع منهم من رجع، وبقي من لم يرجع على ضلاله. ففي الرجوع إلى أهل العلم السلامة من الشرور والفتن، ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾.

وحداثة السن مظنة سوء الفهم، يدل لذلك ما رواه (خ) أن أبا هريرة قال سمعت الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يقول: «هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش»، فقال مروان لعنة الله عليهم، غلمة! فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت.

 عباد الله: خرج (ت) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم : «من أشار إلى أخيه بحديدة لعنته الملائكة».  وفي (خ م) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : «قال لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار». وفيهما أيضا عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قال عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض».

فإذا كان هذا في مجرد الإشارة بالسلاح، ومن تسبب في قتل هرة!!! فكيف بمن يقتل أنفساً معصومة؟! 

عباد الله: إن قتل النفس المعصومة معظم في جميع الشرائع السابقة قال تعالى ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾ وقال ﴿أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً﴾.

وقد حرم الله تعالى قتل النفس بغير حق فقال سبحانه ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾، وعد صلى الله عليه وسلم قتل النفس التي حرم الله من السبع الموبقات.

وأما قتل المسلم فقد توعد عليه بأليم العقاب، وسوء المآب ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾. وعند (م) قال صلى الله عليه وسلم : «ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه».

وفي (خ م) عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال : «من حمل علينا السلاح فليس منا».

ومما يبين عظم شأن إراقة الدماء، أنها من أول ما يحاسب عليه العباد، وقال صلى الله عليه وسلم كما في (خ م) : «أول ما يقضى بين الناس في الدماء» وقال صلى الله عليه وسلم كما في (خ) : «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه، ما لم يصب دما حراما» قال ابن عمر راوي الحديث : «إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها، سفك الدم الحرام بغير حله».

الخطبة الثانية:

الحمد لله..

يقول العلامة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله تعالى – في بيان له عن تفجيرات العليا عام 1416: لا شك أن هذا الحادث أثيم، ومنكر عظيم، يترتب عليه فساد عظيم، وشرور كثيرة، وظلم كبير، ولا شك أن هذا الحادث إنما يقوم به من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، لا تجد من يؤمن بالله واليوم الآخر إيمانا صحيحا يعمل هذا العمل الإجرامي الخبيث، الذي حصل به الضرر العظيم، والفساد الكبير، إنما يفعل هذا الحادث وأشباهه نفوس خبيثة، مملوءة من الحقد والحسد، والشر والفساد، وعدم الإيمان بالله ورسوله، نسأل الله العافية والسلامة، ونسأل الله أن يعين ولاة الأمور على كل ما فيه العثور على هؤلاء، والانتقام منهم؛ لأن جريمتهم عظيمة، وفسادهم كبير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، كيف يُقدم مؤمن أو مسلم على جريمة عظيمة يترتب عليها ظلم كثير، وفساد عظيم، وإزهاق نفوس، وجراحة آخرين بغير حق، كل هذا من الفساد العظيم، وجريمة عظيمة، فنسأل الله أن يعثرهم، ويسلط عليهم، ويمكن منهم، ونسأل الله أن يخيبهم، ويخيب أنصارهم، ونسأل الله أن يوفق ولاة الأمر للعثور عليهم، والانتقام منهم ومجازاتهم، على هذا الحدث الخبيث، وهذا الإجرام العظيم.

وإني أوصي وأحرض كل من يعلم خبرا عن هؤلاء أن يبلغ الجهات المختصة، على كل من علم عن أحوالهم وعلم عنهم أن يبلغ عنهم، لأن هذا من باب التعاون على دفع الإثم والعدوان، وعلى سلامة الناس من الشر والإثم والعدوان، وعلى تمكين العدالة من مجازاة هؤلاء الظالمين، الذين قال الله فيهم وأشباههم ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.

 إذا كان من تعرض للناس بأخذ خمسة ريالات، أو عشرة ريالات أو مائة ريال مفسدا في الأرض، فكيف من يتعرض بسفك الدماء، وإهلاك الحرث والنسل، وظلم الناس، فهذه جريمة عظيمة وفساد كبير. التعرض للناس بأخذ أموالهم أو في الطرقات أو في الأسواق جريمة ومنكر عظيم، لكن مثل هذا التفجير ترتب عليه إزهاق نفوس، وفساد في الأرض، وجراحة للآمنين، وتخريب بيوت، ودور وسيارات وغير ذلك، فلا شك أن هذا من أعظم الجرائم، ومن أعظم الفساد في الأرض. وأصحابه أحق بالجزاء بالقتل والتقطيع، بما فعلوا من جريمة عظيمة. نسأل الله أن يخيب مسعاهم، وأن يعثرهم، وأن يسلط عليهم وعلى أمثالهم، وأن يكفينا شرهم وشر أمثالهم، وأن يسلط عليهم، وأن يجعل تدبيرهم تدميرا لهم، وتدميرا لأمثالهم، إنه جل وعلا جواد كريم، ونسأل الله أن يوفق الدولة للعثور عليهم ومجازاتهم بما يستحقون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله أ. هـ

فاتقوا الله أيها الشباب في أنفسكم، لا تكونوا فريسة للشيطان، يجمع لكم بين خزي الدنيا وعذاب الآخرة، واتقوا الله في المسلمين من الشيوخ الركع، والأطفال الرضع، والشباب والنساء، واتقوا الله في الدماء المعصومة، والأموال المحترمة ﴿فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراًّ وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً﴾ أفيقوا من سباتكم، وانتبهوا من غفلتكم، ولا تكونوا مطية للشيطان للإفساد في الأرض، وارجعوا إلى علماءكم فيما أشكل عليكم، وأطيعوا ولاة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر.