النهي البدع الرجبية

بسم الله الرحمن الرحيم

النهي البدع الرجبية

الحمد لله الذي أمرنا باتباع رسوله وسلوك سبيله, ونهانا عن الابتداع في دينه, فقال سبحانه ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ وأشهد أن لا إله إلا الله, لا يقبل من الأعمال إلا ما شرعه, وكان خالصا لوجهه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, حذر من البدع فقال: «وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة» صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تمسك بسنته، ولم يحدث في الدين ما ليس منه، وسلم تسليما كثيرا.. أما بعد:

عباد الله: ارضوا بما رضيه الله لكم من الدين، فكونوا له سبحانه طائعين، ولنعمه شاكرين، ولنبيكم صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور متبعين صادقين، حتى يحفظ الله عليكم نعمه، ويصرف عنكم نقمه، ويزيدكم من فضله، ويعاملكم بإحسانه. اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، واسلكوا طريق الحق الذي له هديتم، وعليكم بالسنة التي بها فضلتم، تمسكوا بها ولا تستوحشوا من قلة السالكين، واهجروا الضلالات، ولا تغتروا بكثرة الهالكين ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (16) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ ألا لا يتطاول عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم، ولا يلهينكم الأمل فإن كل ما هو آت قريب.  واعلموا أن الشريعة جاءت كاملة لا تحتمل الزيادة والنقصان، يقول الإمام مالك: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأن الله يقول: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا. إن المبتدع معاند لله مشاق له.  وكفى بذلك ضلالا وإثما مبينا, والله أمر باتباع ما شرعه, فأبى المبتدع ذلك واتبع هواه بغير هدى من الله.

عباد الله: كنا في هذه البلاد، في عافية من كثير مما وقع فيه الناس من البدع، ولكن لما تسهلت وسائل النقل، وتوفرت وسائل الإعلام، ووفد إلى بلادنا كثير ممن نشأوا على البدع، فجاءوا ببدعهم يزاولونها عندنا, فربما يشتبه الأمر على كثير من عوامنا، فوجب التنبيه على تلك البدع، حتى يكون المسلم على بصيرة من دينه.

ومن هذه البدع ما يفعل في هذا الشهر -شهر رجب- من العادات الجاهلية، والأمور البدعية، التي يزعم مرتكبوها أن لشهر رجب خاصية على غيره, وليس الأمر كذلك, فإن شهر رجب، أحد الأشهر الحرم, ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل رجب حديث, بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن عامة الأحاديث المأثورة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها كذب أ.هـ وقد أحدث الناس في هذا الشهر عبادات لم يشرعها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك تعظيم أول خميس وليلة أول جمعة منه, فإن تعظيم هذا اليوم وتلك الليلة من رجب إنما حدث في الإسلام بعد المائة الرابعة, والحديث المروي في ذلك كذب باتفاق العلماء, ولا يجوز تعظيم هذا اليوم لأنه مثل غيره من الأيام. قال الحافظ ابن رجب, فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به, والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب، كذب وباطل لا تصح, وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : "هذه الصلاة لم يصلها النبي صلى الله عليه وسلم  ولا أحد من السلف ولا الأئمة، ولا ذكروا لهذه الليلة فضيلة تخصها، والحديث المروي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم  كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بذلك " أ.هـ

وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يضرب أكف الرجال في صوم رجب حتى يضعوها في الطعام ويقول: ما رجب؟ إن رجبا كان يعظمه أهل الجاهلية، فلما كان الإسلام ترك.

 ومما أحدثه كثير من الناس: الحرص على أداء العمرة في هذا الشهر، واعتقاد أن له فضل خاص، يقول ابن رجب : "أما العمرة فلم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر في رجب, فلا فضل للعمرة في رجب على العمرة في غيره من الشهور كما يظنه بعض الناس".

عباد الله: إن البدع مع أنها حدث في الدين, وتغيير للملة, فهي آصار وأغلال تضاع فيها أوقات وتنفق فيها أموال, وتتعب فيها أجسام, وتبعِّد من الجنة وتقرب من النار, وتوجب سخط الجبار, ولكن أهل الغي والضلال لا يفقهون, وفي طغيانهم يعمهون, لا يزيدهم عملهم عن الله إلا بعدا، ولا اجتهادهم وتعبهم إلا مقتا وردا, أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ (6) لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ﴾ بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .

الخطبة الثانية:

عباد الله: ومن البدع المنكرة التي تفعل في هذا الشهر، بدعة الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، في الليلة السابعة والعشرين منه, يحتفلون في تلك الليلة ويخصونها بأنواع من العبادات، ما أنزل الله بها من سلطان، فيميزون تلك الليلةَ بأذكار وأدعية وصلاة, وهذا العمل خطأ من عدة وجوه:

فالإسراء لم يقم دليل على تعيين ليلته التي وقع فيها، ولا على الشهر الذي وقع فيه. فالعلماء مختلفون في زمانه فتخصيص ليلة من الليالي في رجب أو غيره للإسراء تخصيص لا دليل عليه.

ثم لو ثبت تعيين الليلة التي وقع فيها الإسراء، لم يجز لنا أن نخصص تلك الليلة بشيء لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لم يرد أن الرسول صلى الله عليه وسلم  احتفل في تلك الليلة، ولا خصها بشيء من العبادات, ولم يفعل ذلك خلفاؤه الراشدون من بعده، ولا صحابته الكرام, ولا التابعون لهم بإحسان، فلا يجوز لأحد بعدهم أن يُحدث في الإسلام شيئا لم يفعلوه.

ثم إنه يُفعل في تلك الليلة وفي ذلك الاحتفال، أمور منكرة, يقول أحد العلماء: وقد تفنن الناس بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات، وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروبا كثيرة، كالاجتماع في المساجد، وإيقاد الشموع والمصابيح فيها، وعلى المنارات، مع الإسراف في ذلك، - إلى أن قال -: وما أحسن سير السلف الصالح؛ فإنهم كانوا شديدي المداومة على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، لا يخرجون عن الثابت قيد شعرة, ويعتقدون الخروج عنه ضلالة، لا سيما عصر الصحابة ومن بعدهم، أهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير، رضي الله عنهم أجمعين أ.هـ

ومن العجيب أن بعضا من هؤلاء الذين يحتفلون بمناسبة الإسراء والمعراج، أو كثيرا منهم، لا يؤدون الصلوات الخمس، وبعضهم لا يحضر صلاة الجماعة في المساجد، وإنما ينشط في البدع، ويكسل عن السنن والواجبات, ولا يحافظ على الجمع والجماعات.

عباد الله: اعلموا أنه ما من بدعة تحدث، إلا ويميت الناس من السنن مثلها، ولا يُحدث رجل بدعة إلا وقد تَرك من السنة ما هو خير منها، وما ازداد صاحب بدعة اجتهادا، إلا ازداد من الله تعالى بعدا، وعمل قليل في سنة، خير من عمل كثير في بدعة، فإن الله تعالى إنما يتقبل من المتقين. يقول أبي بن كعب: عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله فتمسه النار، وإن اقتصادا في سنة، خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة.

فاللهم جنبنا البدع في دينك، فإنها تغير القلوب، وتبدل الدين، وتفرق الكلمة، وتشتت شمل المسلمين، وتزيل النعماء، وتجلب الشقاء، وتسود الوجوه، وتخفف الموازين. اللهم ثبتنا على دينك، وزدنا من هداك، وارزقنا الاستقامة على طاعتك، والتمسك بسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم حتى نلقاك، مسلمين مؤمنين محسنين، غير مبتدعين ولا مبدلين ولا مرتدين، اللهم بيض وجوهنا، وثقل موازيننا، وزحزحنا عن النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار، يا رحيم يا رحمن يا غفار .