الإرهاب ومقتل أحمد ياسين

بسم الله الرحمن الرحيم

الإرهاب ومقتل أحمد ياسين

أيها المسلمون: إن رابطة العقيدة والدين رابطة عظمى، وآسرة كبرى، لها مقتضياتها وواجباتها، وتكاليفها وحقوقها ، رابطةٌ تنكسر تحتها شوكة أهل الكفر والعدوان، وتنزاح أمامها قوى الظلم والطغيان ﴿وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

عباد الله : إن أمتنا تمرُّ في هذا الزمان ، بفتن رهيبة، ومحَنٍ عظيمة، ونوازلَ شديدة، وأزَمات كثيرة، ونكَبات متلاحقة . لقد تغيَّر حالُ الأمة، وتبدّل واقعها، وانتكست في حمأة هزيمة قاسيةٍ ثقيلة، فغدت أمة الأمجاد أمة الإخلاد، لقد أضحت أمتنا فرقاً مبعثرة متناحرة، لا تخرج من نكبة إلا وتُصعَق بأخرى ، وماذا أعظم من قتل المسلمين ، واغتصاب الأرض ، وسلب الحقوق ، والاعتداء على المسجد الأقصى. هولٌ عاتٍ، وحقائق مرة، تسمو على التصوير والتبيين، في كل ناحية صوت منتحب، وفي كل شبر باغ ومغتصب .

أيها المسلمون: إن ميزان القوى لا يستقر على حال, أمم تصبح في الصدارة ، ثم تمسي فإذا هي في المؤخرة, وأخرى لم تكن شيئًا مذكورًا ، فإذا هي تترقى في أوج العظمة وقمم المجد, إنها أيام الله ﴿وَتِلْكَ ٱلاْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ﴾ أسباب تجتمع بإذن الله ، فيكون باجتماعها انتصار وقوة ، ثم تجتمع بطريقة أخرى ، ليكون بها الانحسار والضعف, ومن منظور هذه السنن ، شاء الله سبحانه أن يجعل بيت المقدس مسرى نبيه صلى الله عليه وسلم ومنطلق المعراج إلى السماء في رحلة النبي الأكرم , ولأمر حكيم شاء سبحانه أن يجعل بيت المقدس قبلة المسلمين الأولى , ثم لأمر حكيم وحكمة عظيمة ، تسلم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مفاتيح بيت المقدس من دون سائر المدائن ، التي فتحها الله على المسلمين ، إنه التمييز الواضح ، والخصوصية الخاصة ، والإعلان الصريح ، لما لهذه البقعة المقدسة ، من منزلة كبرى في دين الإسلام ، وتاريخ المسلمين ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ بيت المقدس ربوة مباركة ذات قرار ومعين, أرض مقدسة, قبلة الأمة ، وبوابة السماء ، وميراث الأجداد, ومسئولية الأحفاد, إلى مسجدها تشد الرحال, فتحه المسلمون بعد وفاته عليه الصلاة والسلام بست سنين, وحكموه قرونا طويلة ، ثم احتله الصليبيون تسعين عامًا فأخرجهم صلاح الدين رحمه الله, وهو اليوم يدنس تحت أقدام اليهود .

عباد الله : إن إسرائيل قد طغت واستكبرت في الأرض بغير الحق، وأمست تقترف الجرائم البشعة ، تعيث في الأرض فسادا، وتهلك الحرث والنسل، تسفك الدماء، وتقتل الأبرياء، وتغتال النجباء، وتذبح الأطفال والنساء، تدمر المنازل، وتقتلع الأشجار، وتنتزع الأرض من أصحابها ، و إخواننا في فلسطين لا بواكي لهم, شعب فلسطين ، حياته كلها خوف وتعذيب ، واعتقال وتخريب ، استيلاء على الأرض وتحكم في مصادر المياه, تجويع وبطالة, محتل يلاحق من يشاء ، ويتهم من يشاء, ويقتل من يشاء ، ويعتقل من يشاء ، فكلّ شيءٍ ممكنٌ في زمن السياسة العرجاء، وعصر المصطلحات العوراء، فالقتل والإبادة يصبح دفاعاً مشروعاً عن النفس ، والتشريد والتدمير، واقتحامُ البيوت ، وإبادةُ البشرِ والشجر، والزرع والضِّرع؛ تسمى خطأً بشرياً ، ولم يسجل التاريخ قضية تجمعت فيها الأحقاد العالمية، وبرزت فيها المتناقضات الدولية، وتجلى فيها التلاعب بالمصطلحات اللفظية، مثلما سجل في مصطلح الإرهاب : أتدرون من الإرهابي عندهم ، إنه ذلك الطفل الفلسطيني ، الذي يحمل الحجارة بيده ويرمي بها دبابات اليهود ، إنه طفل أفغانستان الذي اصطلى بنار أم القنابل ، إنه طفل العراق الذي حاز أسلحة الدمار الشامل ، إنه شيخ مقعد على كرسيه، ذو لحية بيضاء خرج من مسجده ، لأنه يدافع عن دينه، عن أرضه وعرضه، عن منزله ومزرعته ، وشجرة زيتونه، عن حرماته ومقدساته ، إن الإرهابي من درس مناهج التعليم في هذه البلاد ، لأنها تعلم عقيدة الولاء والبراء ، إنه من طالب بعزل الرجال عن النساء ، لأنه يطالب بالتمييز العنصري ، ويعطل نصف المجتمع ، إنه من يأمر بالحجاب لأنه يسعى بأمته لعصر الظلام ، إنه من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، لأنه يتدخل في خصوصيات الناس ، إنه من يعفي لحيته لأنه لا يساير ركب الحضارة ، إنه باختصار من يكره إسرائيل وأمريكا إنه من لايرتمي في أحضانهم ، ولا ينفذ مخططاتهم ، إنه من يقول لهم لا .

أما اليهود فإنهم لم يسئلوا عن جريمة ارتكبوها ، ولم تحجب عنهم مساعدة طلبوها, ولم يتأخر عنهم مدد سألوه, ولم يوجه إليهم لوم ولا عتاب في جرم اقترفوه. بل لقد توافد كبار ساسة العالم من أجل أسراهم, وبعثت التعازي من أجل قتلاهم.

الخطبة الثانية

ألا فلتبشروا – عباد الله – فإن نهاية الطغيان قد قربت ، ورب ضارة نافعة. وعلى الباغي تدور الدوائر. وإن مع اليوم غدا، وإن غدا لناظره لقريب «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» إن الطغيان إذا تفاقم، والظلم إذا تعاظم: يسوق أصحابه إلى الهلاك وهم لا يشعرون ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ .

معاشر المؤمنين: إن حقائق اليوم هي أحلام الأمس، وأحلام اليوم هي حقائق الغد، والضعيف لا يظل ضعيفاً أبدا، والقوي لا يظل قوياً سرمدا ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ .

نعم يا عباد الله، إننا نملك الإيمان بنصر الله ، وثقة بتأييده ، ويقيناً بسنة الله تعالى في إحقاق الحق ، وإبطال الباطل ولو كره المجرمون، واطمئناناً إلى وعده ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلأرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً﴾ إنه وعد يشحذ الهمم ، ويستنفر العزائم ، ويملأ الصدور ثقة وإيماناً ، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع اليسر يسراً .

 يا مسلمون :  لا عودة للحق قبل العودة الصحيحة للإسلام, إن من سنن الله أن العاقبة للمتقين, وأن الأرض يرثها عباد الله الصالحون, ولكن من سننه أيضًا إذا تخلى أهل الإيمان عن إيمانهم ، فإنه يستبدل قومًا غيرهم ودين الله منصور بكم أو بغيركم ﴿إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ النصر قادم لا محالة, بكم أو بغيركم ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ والحق سيعلو على أيديكم أو أيدي غيركم ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾.

عباد الله : إن هذه الأحداث قَدَرٌ مكتوب على هذه الأمة،لتنهض من كبوتِها، وتعيَ رسالتَها، وترصَّ صفوفَها ، تحت راية واحدة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، بالصدق مع الله ونصرته ﴿إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ لا بد من التأكيد على أن أولى الأوليات ، أن تعلم الأمة علم اليقين ، أنها لن ترتفع لها راية، أو يعلو لها شأن ، إلا بصدق الإيمان، ونقاء التوحيد، وصفاء الإخلاص، ولم ير مثل الجهاد جامعاً ، جهاد يقوده العلماء الحكماء ، مع الأمراء الأتقياء .