ضرورة اللجوء إلى الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

ضرورة اللجوء إلى الله تعالى

الحمد لله:

عباد الله: إن إحساس المؤمن بحفظ الله له ، ويقينه أن الله معه ، يسمعه إذا اشتكى ، ويجيبه إذا دعا ، ويأخذ بيده إذا كبا ، ويمده إذا ضعف ، ويعينه إذا احتاج ، ويلطف به إذا خاف ، كل ذلك ، من أسباب ارتياح النفس ، وانشراح الصدر ، وطمأنينة القلب ، وتيسير الأمر ، وطيب العاقبة في العاجل والآجل .  فإن ثقة العبد بربه ، ويقينه بأنه سبحانه المتولي لأموره ، وأنه تعالى سائق كل خير ، وكاشف كل ضر ؛ لا تتركه نهبا للوساوس والأوهام ، ولا تلقيه في بيداء اليأس من روح الله ، أو ظلمة القنوط من رحمة الله ، بل تجعله يضرع إلى الله تعالى عند كل نازلة ، ويستجير به عند كل مصيبة ، ويحمده عند كل نعمة ، فيتجه إلى الله في سائر أحواله ، داعياً متضرعاً موقناً بالإجابة ، منتظراً للفرج من الله ، لا يتجه إلى غيره ، ولا ينزل حاجته بسواه ﴿أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ ويذكر ربه في كل أحواله ، ذاكراً شاكراً على السراء ، صابراً منتظراً عند الضراء ، يسأل الله أن يجود عليه بحفظ النعماء ، والعافية من البلاء ، واللطف في القضاء ،

فاتقوا عباد الله  ، وثقوا بمعية الله للمؤمنين ، فإنها لكل من اتقى الله في سره وعلنه ، وأحسن ابتغاء وجه ربه في قوله وعمله ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾ وهي المعية الخاصة التي مقتضاها ، العون والتسديد ، والحفظ والتأييد ، واللطف بالعبيد ، ومن كان الله معه ، فقد أوى إلى ركن شديد ، عباد الله : ليس للمصائب حد ، ولا للبلايا نهاية ، فكل مصيبة أو بلية ، يجب اتقاء أسبابها قدر المستطاع ، فإذا وقعت تعين الصبر عليها ، وانتظار حسن عاقبتها ، والخلف منها ، واحتساب أجرها عند مقدرها ومجريها ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ وكم في الصبر على المكاره من جميل العواقب ، وكريم العوائد ، التي أعظمها تجريد التوحيد ، في الإخلاص لله وحده ، وصرف القلوب عن التعلق بالعبد ، ومنها زيادة الهدى والإيمان ، وعظم الأجر في الميزان ، وتكفير الخطايا ، ورفعة الدرجات ، ومضاعفة الحسنات ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ .

فالصبر ذخر وضياء ، ما تحلى به العبد عند البلاء ، وحال البأس والضراء ، كيف لا وقد وعد الله بنصره وتأييده ، ما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر ، ومن يتصبر يصبره الله .

عباد الله : من عدة المؤمن في سيره إلى ربه ، التوكل على الله ، الذي حقيقته الاعتماد على الله ، في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه ، ودفع ما يضره ، مع تفويض الأمر إليه تعالى ، وانجذاب القلب إليه ، محبة له وثقة به ، واعتمادا عليه ، وتكميل ذلك بمباشرة ما شرعه ، من أسباب توصل إلى المقاصد ، وتحمد بها العوائد ، فإن التوكل للمؤمن ، من خير الخصال ، وجليل الأعمال ﴿إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ وجزاؤهم من الله الكفاية ، فمن توكل على الله كفاه ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ ومن توكل على الله ، ووثق بكفايته ، فلن يتمكن منه عدو ، ولن يخيب له مطلوب ، ولن يفوته موهوب ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ . 

أما التوكل المزعوم ، الذي هو مجرد دعوى باللسان ، مع فقد الثقة بالله من القلب ، وتعطيل طاعته من اللسان والأركان ، وترك مباشرة الأسباب التي ينال بها المحبوب ، ويتقى بها المرهوب ، فهذا توكل لا يفيد أهله ، بل يكون من أسباب شقائهم في العاجل والآجل .

فاتقوا الله عباد الله : واصدقوا في الثقة بالله، والتوكل على الله ، وخذوا في الأسباب المشروعة ، وتعلقوا بمسببها جل وعلا ، علقوا قلوبكم بالله ، الذي أزمة الأمور بيده  ، وهو اللطيف بعبده ، بيده الخير ، وله ملكوت كل شيء ، وهو القادر على كل شيء ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ

الخطبة الثانية:

الحمد لله : 

عباد الله : لقد سيم المسلمون سوء العذاب ، ركبنا الهوان ، وامتطانا الذل ، انظروا إلى التذبيح والتشريد في أرجاء المعمورة ، انظروا إلى أعداء الله كيف يتحكمون بالمسلمين ، يذبحون الأبناء ، ويقتلون الشيوخ والأطفال . بعد أن كانت الأرض تابعة لحكم المسلمين وسلطانهم ، أصبحت الأمة ينهشها الاحتلال والاستعباد ، تداعت عليها الأمم ، كما تداعى الأكلة على قصعتها .

أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد *** تجده كالطير مقصوصاً جناحاه

قلب طرفك في الماضي العريق ؛ لتعلم كيف كان امتداد ديار المسلمين يتغير يوماً بعد يوم ، بفتوحات مشرقة ، وانتصارات مشرفة .

كان المسلم يجوب البلاد ، من أدناها إلى أقصاها ، من شرقها إلى غربها ، لا يسأله سائل ، ولا يرده راد ، الأرض أرض الله ، وهو عبد الله ، كل أرض حل بها الإسلام ، أحل له أن يزورها ، وأن يجعلها دار إقامته . كما في (خ) من حديث خباب بن الأرت «يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه».

ثم ارجع البصر إلى حاضرك ، وتأمل حال أمتك ، وما إخالك تسر بحالها         

لمثل هذا يذوب القلب من كمد *** إن كان في القلب إسلام  وإيمان 

عباد الله : لقد أظهر الأعداء العداء ، وفرضوا القوانين ، ونادوا بهدم الدين ، وإخضاع المؤمنين، اغتروا بقوتهم ، وبتخاذل المسلمين ، يعتقدوننا أذلة ، ويسموننا متخلفين ، ويصموننا رجعيين ، ويدعوننا إرهابيين .

أما يقرؤن التاريخ ! هل نسوا تضحيات الصحابة ، وبطولات التابعين ، وأيام الفاتحين ، أما علموا أننا أحفادهم ، وأننا بإذن الله قادرون على إذلال النصارى ، وإخراج اليهود ، ولكن ذلك لن يكون ، حتى نكون كما كان الأولون ، عودة صادقة إلى الكتاب والسنة ، على فهم سلف الأمة «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله وسنتي»  تمسك وعقيدة ، صدق في العبادة ، وتربية جادة ، وإعداد لما يستطاع من قوة . نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله .

فاتقوا الله عباد الله: وثقوا بالله، وأنه على كل شيء قدير، وأنه يعلم نيات السائلين، ويسمع لهجات الداعين, فلا تخفى عليه خافية، وتوسلوا إليه بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا، والجئوا وتضرعوا إليه، ابتداء وفي كل نازلة ونائبة، واحذروا أن تهنوا فتكسلوا، أو تقولوا دعونا فلم يستجب لنا، فقد روى (حم) عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل» قيل: كيف يستعجل؟ قال: «يقول: دعوت فلم يستجب لي».