أحداث الفلوجة

بسم الله الرحمن الرحيم

أحداث الفلوجة

الحمد لله القوي القادر، العزيز الحكيم، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ينصر المؤمنين بفضله، ويؤيدهم بقوته، ويمدهم بملائكته، ما أخلصوا له النية، وأقاموا له الدين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، سيد المجاهدين، وإمام المقاتلين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، الذين باعوا أنفسهم لله، وقدموا أموالهم فداءً لدينه، ونصرة لدعوته، ودفاعا عن الحق، فكانوا من المهتدين، أما بعد:

عباد الله: إن المسلمين اليوم في هذا الجزء من العالم أمام فتن عمياء، وشدائد مظلمة، ليس لها من دون الله دافع أو مجير، فنسأله تعالى بعزته وقدرته، وجبروته وقهره، أن يصرف شررها، وأن يدفع خطرها، وأن يهلك بها من أثارها، فإنه سبحانه على كل شيء قدير، يقول للشيء: كن، فيكون، وهو سبحانه لطيف بعباده، يرزق من يشاء وهو القوي العزيز. وإن ما يحدث في كثير من بلاد الدنيا من أذية المسلمين، وسلب ديارهم، وهتك أعراضهم، أصبح وللأسف أمرا مألوفا على الأسماع والأبصار، عند كثير من المسلمين، فلا تكاد فتنة تخبو نارها، حتى تتأجج فتنة أخرى، وإن المتأمل في حال المسلمين اليوم، ليتذكر قوله صلى الله عليه وسلم كما عند (د) من حديث ثوبان : «يوشك أن تداعى عليكم الأمم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها» فاللهم لطفا ورحمة من عندك، تغني بها عن رحمة من سواك.

عباد الله: إن تلك الفتن قد نُسجت حلقاتها، وأُحكمت خططها، من قبل أعداء الله ورسله، أتباع الشيطان في الإفساد وإشاعة الفساد، والجد وبذل الوسع في إضلال العباد ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ...﴾ فمن مكرهم، مكر الله بهم، فإنه سبحانه توعدهم بقوله ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ﴾ وقوله ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ﴾. لقد أشعل نار تلك الفتنة، وأطار شررها في الآفاق فئة طاغية، وشرذمة باغية، اشتهرت بأشنع المآثم، وارتكاب أفظع الجرائم، زين لهم الشيطان ما كانوا يعملون، رضوا لأنفسهم بالهوان، إذ صاروا جندا للشيطان ﴿أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ﴾. زينت لهم أهواؤهم البغي والفساد، وقرروا أن ينشروه بين العباد، فنقضوا العهود، وغدروا بالوعود، وسعوا في الأرض مفسدين، إذ روعوا الآمنين، وشردوا المطمئنين، واستباحوا الحرمات، وانتهكوا المحرمات، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

وليعلم يا عباد الله: أن العداء معهم عقديا، وحينها لا نستغرب أن يضطهدوا المسلمين ويكيدوا لهم، ويشردوهم، وهذا ما يظهر من شرذمة الأمريكان وحلفائهم، وشرذمة يهود وأفعالهم، قاتلهم الله، إذ أفسدوا البلاد، وأهلكوا العباد، وهتكوا الأعراض في العراق، وإصرارهم على مبدئهم، دال على عظيم حقدهم، الذي اسودت منه قلوبهم، فلا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة.

وإن أعداء المسلمين، يرفعون عقيرتهم بالمطالبة بحقوق الإنسان، فأي حقوق يريدون؟ ودماء المسلمين أرخص الدماء، وهدم المساجد والمدارس أصبح أمرا مألوفا... تهدم كرامة المسلم، تحرق أرضه، ويهتك عرضه، ويشرد أولاده، ثم يتنادى أولئك بحقوق الإنسان!!! بينما محاضن الحيوانات ومقابرها وجمعيات الدفاع عنها، لا تعد ولا تحصى، فيا لله العجب: تهدم كرامة الإنسان، وتحفظ حقوق الحيوان، لكن العجب يزول، إذا علمنا أن حقوق الإنسان مقصورة عندهم على غير المسلمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

عباد الله: إذا كنا في زمن تعاقدت فيه قوى الباطل، وتكالبت فيه عناصر الشر، واتفقت على إزهاق الحق وشن الغارة على أهله، بغزو ديار الإسلام وهدم حصونه، الواحد تلو الآخر، ليعطلوا عبادة الله، ويصدوا الناس عن سبيل الله، ويقيموا فيها للكفر منارا، ويرفعوا فيها للباطل شعارا، لو تم لهم ما يتمنون، فكان من نتائج هذا المكر المبيت، والكيد المنظم، هذا العدوان الغاشم، وما ارتكب فيه من فضيع الجرائم، في أناس لنا مجاورين، وإخوان لنا في الدين، في العراق وفي فلسطين، فحققوا يا عباد الله ما أراده الله منكم، من طاعته والعمل بما يرضيه، يحقق لكم ما وعدكم به من النصر والتأييد، وتوجهوا إلى الله بقلوبكم، واستغيثوا به في كشف الضر عنكم، وصرف كيد عدوكم، فما خاب عبد لجأ إلى الله، واستغاث بمولاه ولاذ بحماه.          

واعلموا أن هذه الأحداث وما سبقها، توجب على المسلمين أن يتداركوا شأنهم، ويزيلوا ما بينهم من الشقاق والخلاف، وأن يجعلوا نصب أعينهم، أنه لا عز لهم ولا تمكين إلا بتحكيم الشرع المطهر فيما بينهم، ورجوعهم إلى إسلامهم، ورفع راية الجهاد، جهاد يقوده العلماء الحكماء، مع الأمراء الأتقياء، إذ هو عز أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن يعلموا علم اليقين أن المخالف في الدين مهما طالت صمته ولبثه، فالشر كامن فيه حتى يحقق رغبته ومراده ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى...﴾ ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَلاَ المُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ...﴾ ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا...﴾ ﴿قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾. وأن ما حدث ويحدث من تسلط الأعداء على آحاد المسلمين وجماعاتهم، إنما مرجعه إلى الذنوب والمعاصي ﴿وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾ ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾. استسقى العباس بن عبد المطلب بالصحابة رضي الله عنهم، وكان من جملة دعائه: اللهم إنه لم تنزل عقوبة إلا بذنب ولا تنكشف إلا بتوبة . فتغير أحوال المسلمين مرهون برجوعهم إلى ربهم ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ...﴾.

فاللهم أصلح أحوال المسلمين وارزقهم العزة والكرامة، واكشف عنهم المذلة والمهانة، وأقم علم الجهاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، والكفر والعناد، وانشر رحمتك على العباد.