عيد رأس السنة

بسم الله الرحمن الرحيم

عيد رأس السنة

عباد الله: يروى عن عدي بن حاتم قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  وهو جالس في المسجد، بغير أمان ولا كتاب. فقال القوم: هذا عدي بن حاتم. فلما دفعت إليه أخذ بيدي، وقد قال قبل ذلك : «إني لأرجو أن يجعل الله يده بيدي» قال أخذ بيدي، حتى أتى بي داره، فألقت له الوليدة وسادة، فجلس عليها، وجلست بين يديه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «ما يفرك؟ أيفرك أن تقول: لا إله إلا الله؟ فهل تعلم من إله سوى الله؟» قال قلت: لا. ثم تكلم ساعة ثم قال: «إنما يفرك أن تقول: الله أكبر، وتعلم شيئاً أكبر من الله؟» قال قلت لا. قال: «فإن اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضلال». قال فقلت: فإني حنيف مسلم، فرأيت وجهه ينبسط فرحا" .

وقد دل كتاب الله على معنى هذا الحديث قال تعالى ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ وهم اليهود. وقال في النصارى ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ﴾.

ولقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة، ألا وهي مخالفة غير المسلمين في الأمور التي يمتازون بها، وذلك ليحتفظ المسلمون بأخلاقهم وعاداتهم التي استمدوها من شريعة ربهم، وهدي نبيهم. ذلك أن التشبه ينتج عنه شعور بالتقارب والمودة والتقدير، فيتأثر المقلد بالمقلد، وقد يتبعه فيما فيه مخالفة صريحة لدين الله، لذلك كان على المسلم أن يردد كل يوم: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾.

إذ المشابهة ولو في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "لو اجتمع رجلان في سفر أو بلد غريب وكانت بينهما مشابهة في العمامة أو الثياب أو الشعر أو المركوب ونحو ذلك لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما، وكذلك تجد أرباب الصناعات الدنيوية يألف بعضهم بعضاً ما لا يألفون غيرهم" فإذا كانت المشابهة في أمور دينية فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة لهم تنافي الإيمان.

عباد الله: لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من تقليد غيرها قولاً وفعلاً، فقال: «ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى» وقال صلى الله عليه وسلم : «خالفوا المشركين: أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى» وقال صلى الله عليه وسلم : «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر» وقال «لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر، لأن اليهود والنصارى يؤخرون» وقال صلى الله عليه وسلم : «صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يوماً أو بعده يوماً» وقال عمر رضي الله عنه : "كان أهل الجاهلية لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس. ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير، قال: فخالفهم النبي  صلى الله عليه وسلم وأفاض قبل طلوع الشمس".

وقال صلى الله عليه وسلم : «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» وعندما اهتم صلى الله عليه وسلم  بكيفية جمع الناس للصلاة، اقترح عليه بعضهم النفخ في البوق، فقال:هو من أمر اليهود، ثم اقترحوا عليه ضرب الناقوس فقال:هو من فعل النصارى، ثم أمر بلالاً بالأذان. ولقد وفق الله تعالى الأمة الإسلامية إلى ما يحقق استقلالها عن غيرها، فلها عيدها الأسبوعي وهو يوم الجمعة الذي قال عنه عليه الصلاة والسلام: «هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له» ولها عيدان في السنة :الأضحى والفطر، ولها لغتها التي هي لغة القرآن، ولها تاريخها وهو التاريخ الهجري، كما أن لها شريعتها التي تغنيها عن كل تشريع ونظام. .ولننظر عباد الله في واقعنا،.هل نحن اليوم عاملون بهذه القاعدة أم وقع منا ما حذرنا منه ونهانا عنه نبينا صلى الله عليه وسلم ؟ لقد وقعنا فيما أخبر عنه النبي  صلى الله عليه وسلم حين قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى. قال: فمن؟»

عباد الله: هناك طائفة من المسلمين زهدوا في لغة القرآن، فصاروا لا يتكلمون غالباً إلا بلغة أجنبية، قال عمر رضي الله عنه: "تعلموا العربية فإنها من دينكم" فباللغة العربية يُفهم القرآن، وبها تعرف الأحكام، والجاهل بالعربية جاهل بالإسلام، فأي عماء أكبر من تهميش لغة القرآن، وتقديم لغة أجنبية دخيلة. وما وقع للغة العربية وقع للتاريخ الهجري، فلقد وفق الله المسلمين إلى اتخاذ الهجرة النبوية منطلقاً للتاريخ الإسلامي، لكن التاريخ الهجري أهمل، وقدم التاريخ الميلادي النصراني.

الخطبة الثانية:

عباد الله: القول بكفر اليهود والنصارى، ووجوب بغضهم والبراءة منهم، واجب شرعي، ونحن مطالبون بدعوتهم إلى هذا الدين القويم. وإذا تقرر كفر عقيدة أو ملة من الملل، فهذا يعني أن شعائرهم الدينية، هي من مظاهر الكفر وشعائر محاربة الله ورسوله، ولا شك أن عيد كل طائفة وملة من الملل مرتبط بدينهم وعقيدتهم، وإلا لما تميزوا به عن غيرهم، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى. فهل ترون أن يرضى المسلم الموحد العابد لله وحده بمظهر من مظاهر الكفر، فضلاً عن أن يهنئ فاعله بالقيام به، ناهيك أن يشاركه فيه، وهذا هو السر الذي جعل تهنئة الكفار بشعائرهم أمراً محرماً تحريماً قطعياً، ويزداد هذا الإثم إذا شاركهم الإنسان في مظاهر الكفر هذه. ولقد ابتلي بعض المسلمين بالعمل في بعض الشركات التي يصحبه فيها النصارى، فيظن أنه من باب إظهار التقدم والمدنية، أو المجاملة، أو كسب الود إن كان مديراً، أو تأليف قلبه، أو من باب اللباقة، أن يهنئه بعيد رأس السنة، ويردد عبارات الكفار بالتهنئة.

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه".

عباد الله: كيف يكون المسلمون أتباعا لغيرهم من كل ناعق؟ يقلدونهم في عاداتهم، ويحاكونهم في أعيادهم وتقاليدهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم نهى المسلمين جميعا أن يتلقوا عن أهل الكتاب.

عباد الله، لست أدري كيف يطيب لمؤمن موحد عابد قانت لله جل وعلا أن يهنئ عباد الصليب، بيوم من أيامهم الصليبية التي تثير فيهم نعرتهم الحاقدة، بينما هم يذبحون أطفالنا، ويغتصبون نساءنا، ويقتلون رجالنا، ويشمتون بنا.

 إن ظلماً لأنفسنا يا عباد الله أن توردوها موارد الهلاك في الدنيا والآخرة بالإعراض عما علمتموه من دين ربكم، فتعرفون الحرام وترتكبونه، والواجب فلا تفعلونه. إن ظلماً لأنفسنا يا عباد الله أن نعيش رائحين وغادين لا نحمل همّ ديننا لا ندعو به ولا ندعو إليه ولا ندعو له ولأنصاره.