عقوبة القتل

بسم الله الرحمن الرحيم

عقوبة القتل

(تفجير مجمع المحيا)

عباد الله : لقد كان الناس في جزيرة العرب في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، وكانت الجزيرة مسرحاً للفتن والاضطرابات، والنهب والسلب والحروب، فلما جاء هذا الدين ودخلوا فيه، تحولوا إلى مجتمع مثالي يسوده الأمن، ويحكمه الوحي، وتوجهه العقيدة السليمة، تحولت فيه العداوة إلى محبة، والقطيعة إلى أخوة، والشح والأثرة إلى إيثار ومواساة، كما قال تعالى مذكراً عباده هذه النعمة ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً﴾ فهذا شاهد من الماضي على توفر الأمن في هذا الدين، وبين أيدينا شاهد من الحاضر الذي نعيشه، وهو أن بلادنا هذه كانت تعيش حالة من الفوضى والخوف والتناحر بين البادية والحاضرة من ناحية، وبين الحاضرة بعضها مع بعض من ناحية أخرى، فلما منَّ الله تعالى عليهم بظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب واستجابوا لتلك الدعوة المباركة، وناصروها توفر لهم الأمن، وقامت لهم دولة إسلامية تحكم بشريعة الله، فكانت ولا تزال بحمد الله مضرب المثل في العالم في توفر الأمن حتى شهد لها بذلك القاصي والداني، مما يدل على أن هذا الدين هو الذي يوفر الأمن، وأهم مقومات الأمن في هذا الدين هو الإيمان بالله تعالى، ومراقبته والشعور بأنه مطلع على عباده في السر والعلن، وأنه يجازيهم على تصرفاتهم، فكلما هم العبد بمواقعة جريمة تذكر ذلك فكف عنها خوفاً من الله تعالى .

فالأمن مطلب ضروري لكل أحد، ولقد جربت البشرية كل النظم الجالبة للأمن في نظرها، و هذا ظاهر في الدعوات لما يسمى بحقوق الإنسان، التي تجعل من فتح الحريات، وعتق الرغبات، رفضاً للفطر السليمة، وسبباً مباشراً تدمر به الأخلاق المستقيمة، و يزعمون أن من خالف ذلك فهو ضد الإنسانية، و الحقوق الشخصية، والرغبات الفردية .

عباد الله : إن بلدنا هذا من آمن بلاد الله، ولا يمكن أن يجد له المرءُ مثيلاً في أي مملكة من ممالك الدنيا، قال تعالى إخباراً عن إبراهيم عليه السلام أنه قال ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِناً﴾ .

قال ابن كثير : "وقد فعل الله ذلك شرعاً وقدرا كقوله تعالى ﴿وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾ وقوله ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ أ.هـ

أقول هذا تذكيراً بنعمة العافية في الأبدان، والأمن في الأوطان، التي يَحرم هتكها، أو التسبب في الإخلال بها، يقول تعالى ممتناً على قريش بها ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾ ويقول  صلى الله عليه وسلم مبيناً فضل هذه النعمة ومنزلتَها، التي لا يعرف عظم فضلها إلا من عاش في جنبات الخوف والرعب : «من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا» .

عباد الله : نعمة الأمن ضرورة بشرية، ومطلب فطري، ومصلحة للأفراد والأمة، ولا تقوم حضارة ولا تزدهر حياة إلا به، ولذا فإن الشرع نصب الولاة والقضاة؛ لإقامة العدل، وتحقيق الأمن، تحقيق التوحيد من أعظم أســـباب استتباب الأمن ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ قال ابن كثير : "هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له ولم يشركوا به شيئاَ هم الآمنون يوم القيامة ، المهتدون في الدنيا والآخرة "

سئل أحد السلف : ما العيش قال : الأمن فإني رأيت الخائف لا ينتفع بعيش ، الأمن -عباد الله - مطلب ضروري لإقامة العبادة ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ .

الخطبة الثانية :

الحمد لله  رب العالمين، أمر بالتذكير وأخبر أن الذكرى تنفع المؤمنين، وأنكر على المعرضين فقال ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾ والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، فدعا إلى الله وبلغ البلاغ المبين، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين،   أما بعد :

عباد الله : إن من أعظم الفتن التي منيت بها الأمة في هذا الزمن، ما ابتلينا به في هذه الأيام، مصائب ورزايا، وكبائر ذنوب وبلايا، قتل للأنفس، وترويع الآمنين، وتخويف المؤمنين، وقتل المسلمين، وإزهاق أنفس المستأمنين، وسفك دماء المعاهدين، وكل ذلك مخالف للشرع المبين، ولا يقره عقل ولا دين .

فيالله : كم من دماء جرت ؟ وكم من مؤمنة ترملت ؟ وكم من صغيرة تيتمت ؟ فأما قتل النفس ففي (خ) أنه صلى الله عليه وسلم قال : «من قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذِّب به يوم القيامة» وفي (خ م ) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم   قال : «من تردَّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يَجَأُ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا» .

 وأما قتل المسلم فقد قال الله تعالى ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾ وفي (خ م) أنه صلى الله عليه وسلم  قال : «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء» . وفي (خ) من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم  قال : «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراما» قال ابن عمر : "إن من وَرْطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله " . وفي (خ م) من حديث ابن عمر أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال : «من حمل علينا السلاح فليس منا» . وفي (م) قال  صلى الله عليه وسلم  : «ومن خرج على أمتي يضرب برَّها وفاجرها، ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه» .

واستمع إلى ما قاله صلى الله عليه وسلم  في قتل المعاهد كما في (خ) من حديث عبد الله بن عمرو أنه صلى الله عليه وسلم  قال : «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً» .

قال ابن حجر : "والمراد به من له عهد مع المسلمين سواء كان بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم" أ . هـ

عباد الله : اتقوا الله في أنفسكم لا تكونوا فريسة للشيطان، يجمع لكم بين خزي الدنيا وعذاب الآخرة، واتقوا الله في الدماء المعصومة والأموال المحترمة، أفيقوا من سباتكم، وانتبهوا من غفلتكم، ولا تكونوا مطية للإفساد في الأرض .