الصلاة حل لكثير من المشاكل

بسم الله الرحمن الرحيم

الصلاة حل لكثير من المشاكل

الحمد لله :

عباد الله : خمس صلوات كتبهن الله على العباد ، جعلها للدين ركناً أساساً ، وأمر بها النبيين والمرسلين إلى يوم الدين ، قال إبراهيم عليه السلام ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾ وكان إسماعيل عليه السلام ﴿يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عَندَ رَبِّهِ مَرْضِياًّ﴾ وقال عيسى عليه السلام ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياًّ﴾ وأمر الله محمداً عليه الصلاة والسلام ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ وهي الفارقة بين الإسلام والكفر «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» وهي تكفر الذنوب ، وتنهى عن الفحشاء والمنكر ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ وقد أوجبها ربكم عليكم ، على كل حال : في الصحة والمرض «صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعل جنبك» (خ) وشرعها في الإقامة والسفر ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ﴾ وفرضها في الأمن والخوف ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَوَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ﴾ .

وما بلغت الصلاة هذه المكانة، إلا لما امتازت به على سائر الأعمال، فالصلاة عباد الله هي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فعند (حم، د) من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم : «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله» . ويقول عمر : من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع . وهي قرة عين المصطفى كما عند (حم ، د) من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال : «حبب إلي من دنياكم النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة» .

عباد الله : إن أمراً هذه صفته، وعبادة هذه فضائلها، جديرة أن تكون حلاًّ لكثير  من المشاكل، ومفزعاً في كثير من الملمات، ولقد كان صلى الله عليه وسلم يقول : «أرحنا بالصلاة يا بلال» . فما من مشكلة إلا والصلاة حلا لها :

فإذا أجدبت الأرض، وقحط المطر، ونشف الضرع، أمرنا أن نفزع للصلاة، وإذا تغير مجرى الكون، واختل نظامه، فذهب نور الشمس، وأظلم القمر، أمرنا أن نفزع للصلاة في (خ ، م) أنه صلى الله عليه وسلم قال : «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا» ...

وإذا اضطرب المؤمن وضاق عليه أمره، فلا يدري أيذهب أم يعود؟ أيفعل أم يترك؟ أيقدم أم يحجم؟ أمر أن يلجأ إلى الصلاة ففي (خ) من حديث جابر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يعلمنا الاستخارة في الأمور، كما يعلمنا السورة من القرآن يقول : «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك، واستقدرك بقدرتك...» الحديث .

وإذا قدم الإنسان من سفر، وألقى رحاله، أمر أن يبدأ بالصلاة، ففي (خ،م) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد، فركع فيه ركعتين . وإذا نام الإنسان ففزع في نومه، وأقلقته أحلامه، أمر أن يلجأ إلى الصلاة، ففي (خ،م) من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : «إذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها، فلا يُحدِّث بها أحداً، وليقم فليصل» .

وإذا تعرض المؤمن للقتل من الكفار، صداً له عن دينه، سن له أن يركع ركعتين، في (خ) أن كفار قريش لما أرادوا قتل خبيب بن عدي، وخرجوا به إلى الحل، قال لهم : ذروني أركع ركعتين، فتركوه فركعهما، ثم قال : لولا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتهما، اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحداً، فقتله ابن الحارث، يقول الراوي : فكان خبيب هو سن الركعتين لكل امرئ قتل صبراً .

وإذا مات المسلم وغادر الحياة الدنيا، أمرنا أن نودعه بالصلاة . وإذا عصى المؤمن ربه، وأخطأ في حق مولاه، فأذنب ثم ندم على فعله، أمر أن يفزع إلى الصلاة، خرج (ت، د) من حديث أبي بكر، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم : «ما من رجل يذنب ذنبا، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي، ثم يستغفر الله، إلا غفر الله له» ثم قرأ ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ .

الخطبة الثانية:

الحمد لله :

عباد الله : في (م) من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، الأولون يوم القيامة» .

وإنه مما يحزن القلب، ويدعو إلى الأسى، أن نرى طائفة من الناس لا يشهدون الجمعة مع المسلمين، قد ألهتهم شهواتهم، وغرتهم ملذاتهم، وساقهم الهوى إلى مهاوي الردى، وصدهم الشيطان عن مصدر سعادتهم وفلاحهم، وراحة بالهم واطمئنان قلوبهم، ألا وهو طاعة ربهم،فيخشى على هؤلاء إن استمروا على تركها، ودأبوا على العزوف عنها، وآثروا شهواتهم عليها، أن يكتبوا من الغافلين، فيخاف عليهم سوء الخاتمة، والنهاية البائسة خرج (م) من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره : «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ، ثم ليكونن من الغافلين» .

وإن مما يؤسف له يا عباد الله : أن يقل اهتمام المسلمين بالتبكير لصلاة الجمعة، حتى إن بعضهم لا يأتي إليها إلا عند دخول الإمام، أو عند الإقامة، فيأتي يتخطى الرقاب، ويؤذي المسلمين، ويشوش عليهم .

ولقد كان السلف الصالح، يتسابقون إلى المساجد يوم الجمعة، فإذا دخل أحدهم المسجد ووجد فيه من سبقه حزن واغتم، واحتقر نفسه . ثم اعلموا أنه يجب على الحاضرين لصلاة الجمعة الإنصات والاستماع للخطبة، ويحرم الكلام وقت إلقائها، ويحرم العبث بكثرة الحركة من غير حاجة، خرج (حم) عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، والذي يقول له : أنصت ليست له جمعة» . وقال صلى الله عليه وسلم : «من مس الحصا فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له» .

ومن دخل المسجد والإمام يخطب، لم يجلس حتى يصلي ركعتين خفيفتين، عند (خ،م) عن جابر قال : جاء سليكٌ الغطفاني يوم الجمعة ورسول صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : «يا سليك ! قم فاركع ركعتين، وتجوز فيهما» ثم قال : «إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصل ركعتين» . 

فاحرصوا رحمكم الله على صلاة الجمعة ، واجتهدوا في  تحري آدابها والمحافظة عليها ، والالتزام بسننها ، لتنالوا اجرها فإن أجر الجمعة عظيم وثوابها جزيل، وحافظوا على الصلوات، على الجمع والجماعات، تنالوا من الله الأجر والكرامات، واحمدوه على ما خصكم به من هذا اليوم، وما جعل لكم فيه من الخيرات .