الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

بسم الله الرحمن الرحيم

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

عباد الله : إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،  حصن الدين الحصين ، ودرعه المتين ، أمرٌ جلاه القرآن، ووضحته السنة .

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  طريق الصالحين ﴿مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ وهو سبيل المفلحين ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ وهو طريق المؤمنين كما عند مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن  رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي ، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب ،  يأخذون بسنته ، ويقتدون بأمره ، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف ، يقولون مالا يفعلون ، ويفعلون مالا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تظهر في الأمة الفضائل ، وتختفي الرذائل ، به يتعلم الجاهل ، ويرشد الضال ، وبه تقام الحدود ، وبه تتميز السنة ، وتختفي البدعة ، ويعرف الحلال من الحرام ، والواجب والمسنون ، والمباح والمكروه ، وبه يرتفع أهل الحق والصلاح ، ويندحر أهل الشر والباطل ، ويؤطر على الحق السفيه . وبه ينجو المصلحون ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾، ثم انظر إلى عاقبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ﴿وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ .

إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حلت لعنة الله ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ وإذا ترك كثرت الشرور والكوارث  ، وظهرت البدع والحوادث ، وتفرقت الأمة ، وجاهر الفساق بالمعصية ، وقست القلوب ، وظهرت الرذائل ، واختفت الفضائل ، وهضم الحق ، وعلا صوت الباطل ،  إذا طوي بساط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأهمل علمه وعمله ، تعطلت الشريعة ، واضمحلت الديانة ، وعمت الغفلة ، وفشت الضلالة ، وشاعت الجهالة ، واستشرى الفساد ، واتسع الخرق ، وخربت البلاد ، وهلك العباد ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ﴾ .

روى البخاري رحمه الله عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي  صلى الله عليه وسلم أنه قال «مثل القائم على حدود الله ، والواقع فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة ، فصار بعضهم أعلاها ، وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها ، إذا استقوا من الماء ، مروا على من فوقهم ، فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا ؛ فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ، ونجوا جميعاً» .

أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن زينب رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً يقول : «لاإله إلاالله ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه – وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها – فقلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث» .

فاتقوا الله عباد الله وراقبوه ، وقوموا بأمره كما أراد ، وفقني الله وإياكم للاستعداد ليوم المعاد ، أقول ما تسمعون …………

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأصلي وأسلم على نبي الهدى والرحمة ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .أما بعد :

فحقاً أيها المسلمون : إذا عطلت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ودك هذا الحصن ، وحطم هذا السياج ، فعلى معالم الإسلام السلام ، وويل يومئذٍ للفضيلة من الرذيلة ، وويل للصالحين من المبطلين ، وويل لأهل الحق من السفهاء، ومن تطاول الفاسقين ،   بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يضعف المجتمع ، وتضيع الأمة ، يعيش الناس كما يشتهون ، لحدود الله يتجاوزون ، وبالأخلاق يعبثون ، وفي الأعراض يقعون . بتركه  يختل أمن البلاد ، وتضعف الغيرة على الأعراض ، ويفشو التبرج والسفور ، وتعظم المصيبة بالاختلاط . ولم يستجب  الله الدعاء فقد خرج الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «والذي نفسي بيده ؛ لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم»

عباد الله : لا يخفى على أحد ما يقوم به رجال الهيئات ، من خدمة جليلة، تشجيع للفضيلة ودعوة إليها، ومحاربة للرذيلة وتحذير الناس منها، ولكن نبتت نابتة امتطت القلم وسيلة، ووقعت في الرذيلة، بكتابات جريئة، بل وقحة مسيئة، نالوا بها من رجال الهيئات، بل تجاوزوا إلى استحقار العقول، وتسفيه الفحول، أصحاب العلم المنقول .

فيا من أوتيت بياناً ، وقلماً سيالاً ، وتأثيراً في الناس ، إنزل إلى الميدان، وباشر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال التأليف ، والمناصحة، المباشرة أو المهاتفة، ولا تدَعوهم يخطّطون، فلكم أجر ما تفعلون، وعليكم أن تكتبوا كما هم يكتبون، وتنصحوهم ولا تخافون، فإنهم سيظهرون أنهم لا يسمعون، وكأن جُرمكم لديهم ثابتٌ غير مطعون، يتكلمون وكأنهم يرون، يكتبون وكأنهم مُقدّسون . غرّتهم الشهرة والعظمة، فسلّ كلٌ منهم قلمه، ولكن على من ؟؟ على الأمة!!

ويا معاشر المربين اتقوا الله في أبناء المسلمين وخذوا على يد السفيه واطروه على الحق أطراً ، ويا رجال الحسبة ، يا إخوة بذلوا أنفسهم وأوقاتهم ،اصبروا على أذى المنافقين ، وتثبيط القاعدين ، ولوم الجاهلين ، فهذا طريق الأنبياء والصالحين ، سدد الله الخطا ، ونفع بالجهود .