موقف الأمة من الفتن

بسم الله الرحمن الرحيم

موقف الأمة من الفتن

 الحمد لله :

عباد الله : إن نعم الله على عباده كثيرة، ومننه عليهم كبيرة، وإن من نعمه الكبار، ومننه الغزار، أن جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وهدانا لمعالم هذا الدين الذي ليس به التباس، دين كامل، وشرع شامل، وقول فصل، وقضاء عدل، من تمسك به حصل على المناقب الفاخرة، وتمت له السعادة في الدنيا والآخرة، ومن حاد عنه وتنكب الطريق، حصل له الشقاء والاضطراب، دعا إلى كل خير ورشاد، ونهى عن كل شر وفساد ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾ ليس على وجه الأرض دين حق سوى الإسلام، الذي هو خاتم وناسخ لما قبله من الملل والشرائع، وكل من لم يدخل دين الإسلام فهو كافر، عدو لله ولرسوله وللمؤمنين في الدنيا، وهو من أهل النار في الآخرة قال  صلى الله عليه وسلم  كما في (م) من حديث أبي هريرة : «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار»

عباد الله : مهما حاول أعداء الإسلام، وسعوا في إنزال أنواع الفشل، وألوان الشلل، بالإسلام والمسلمين، لتكونن العاقبة لهذا الدين ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ﴾ : «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر» وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سبيلغ ملكها ما زوي لي منها».

عباد الله : ما أحوج المسلمين اليوم في زمن عظمت فيه المصيبة، وحلت به الرزايا العصيبة، وتخطفت الإسلام أيدي حاسديه، ونهشته أيدي أعاديه، فالكرامة مسلوبة، والحقوق منهوبة، والأراضي مغصوبة، زمن ميعت فيه الحقائق الشرعية، وضيعت فيه الثوابت المرعية، في مسارات فكرية مسمومة، ومصطلحات شيطانية مذمومة، واجتهادات عقيمة، وآراء سقيمة، لا تتفق مع الدين الحنيف، ولا مع العقل الحصيف، ما أحوجها في هذا الوقت إلى أن تراجع نصوص الكتاب والسنة، على فهم سلف الأمة، في قضاياها المعاصرة، ومشكلاتها المحاصرة، لتفهم جذور المشكلات، وأسباب الويلات والنكبات، وتقرأ المتغيرات، وتوجد التحليلات والتعليلات، وتتوقع المستجدات، وترجع إلى أهل العلم الثقات، وتنهض بالمسؤوليات والواجبات، وتنظر مواقع الخلل، ومواطن الزلل، وتصلح ما فسد، ويكون المسلمون وحدة كالجسد، ليغسلوا عنهم أوزار الذل والهوان، ويزيلوا غصص القهر والخذلان، ويتخلصوا من التبعية المقيتة، والمجاراة المميتة، بصدق لا يشوبه كذب، وإخلاص لا يخالطه رياء، وتجرد لا يتخلله هوى، وتوحيد خالص وتقى، وثقة به جل وعلا، لا تهزها أراجيف المرجفين، ولا تخذيل المخذلين، حتى لا تواقع الأمة الأمر المحظور، أو تقترف الخطأ المحذور ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم» .

عباد الله : إن الواجب علينا كلما اشتدت بنا البلايا والرزايا، أن يقوى تضافرنا، ويشتد تناصرنا، لإعزاز ديننا، وحماية بلادنا، وأن نكون صفاً واحداً، متعاضدين متساعدين، متعاونين على البر والتقوى، متناهين عن الإثم والعدوان، نابذين العداء والبغضاء ﴿وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ .

عباد الله : إن رابطة العقيدة رابطة عظمى، وآسرة كبرى، لها مقتضياتها وواجباتها، وتكاليفها وحقوقها، رابطة تنكسر تحتها شوكة الكفر والعدوان، وتنـزاح أمامها قوى الظلم والطغيان ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ المجتمعات الإسلامية على اختلاف أجناسها وألوانها وبلدانها، بنيان وجسد واحد، يسعد بسعادة بعضه، ويألم لألمه ومرضه، يجمعهم دين واحد، وكتاب واحد، ورسول واحد، «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم، مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» .

الخطبة الثانية :

عباد الله : إن الفتن تشتد وتمتد وتزداد على مرّ العصور، قال صلى الله عليه وسلم كما في (م) من حديث عبد الله بن عمرو : «إن أمتكم هذه، جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتن يرقق بعضها بعضا، فتجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه مُهلِكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته، وهو يؤمن بالله واليوم الآخر» .

فالمسلمون يا عباد الله : يلاقون في هذه الأعصار، في عدد من الأمصار، حرباً صليبية مسعورة، تستهدف دينهم ومقدساتِهم، إنه عام عصيب، لاقت فيه الأمة أعتى المآسي، وأدمى المجازر، فظائع دامية، وجرائم عاتية، ونوازل عاثرة، وجراحاً غائرة، غصصاً تثير كوامن الأشجان، وتبعث على الأسى والأحزان، في كل ناحية صوت منتحب، وفي كل شبر باغ  ومغتصب .

عباد الله : إن تنتصر هذه الأمة على نفسها وأهوائها، وتطبق شريعة الله في جميع نواحي حياتها، ويستقم أفرادها على دين خالقها، تنتصر على عدوها، وتعل كلمتها، ويدم عزها، وتشتد قدرتها، وتزدد قوتها، وتنفض الوهن عن عاتقها، الذي أخبر عنه صلى الله عليه وسلم بقوله : «يوشك أن تداعى عليكم الأمم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، قالوا : أمن قلة يومئذ يا رسول الله ؟ قال : «أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، تنزع من قلوب عدوكم المهابة، ويجعل في قلوبكم الوهن» قالوا : وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : «حب الدنيا وكراهية الموت» .

وإن لم تقم الأمة بذلك، فهي على خطر أن ينالها وعيد الله ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ .

عباد الله : يقبل علينا يوم عظيم من أيام الله، إنه يوم عاشوراء، خرج (م) في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «صوم يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية» وفي (خ) أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مهاجرا وجد اليهود تصومه، فقال : «ما هذا اليوم الذي تصومونه» قالوا : هذا يوم عظيم، نجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرا له ، فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بموسى منكم» فصامه وأمر بصيامه، وقال : «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» أي مع العاشر . وفي لفظ «صوموا يوما قبله أو يوما بعده؛  خالفوا اليهود» . فصيامه سنة . وكان المسلمون يصومونه ويصومون صبيانهم، ويعطونهم اللعب من العهن؛ تسلية لهم عن الفطر في ذلك اليوم – كما في الصحيحين من حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها - .