تفجيرات الرياض وحقوق الولاة

بسم الله الرحمن الرحيم

تفجيرات الرياض وحقوق الولاة

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها النجاة يوم لقاه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي اصطفاه ربه واجتباه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وسلم تسليما كثيراً.. أما بعد :

عباد الله : إن الله سبحانه أسبغ علينا كثيراً من الآلاء والنعم، ودفع عنا أعظم الرزايا والنقم، وأمرنا أن نمسك زمام النعم بالشكر، وحذرنا من تضييعها بالمعاصي والكفر، فإن شكرنا زادت وربت، وإلا زالت وارتحلت .

وإن أجل نعمة وهبها الله عباده المؤمنين، نعمة الاهتداء إلى هذا الدين، الذي حُرمه أكثر الخلق، فضاقت عليهم الأرض، وضاقت عليهم أنفسهم، فأصبحوا في معيشة ضنكا، يتخللها حزن دائم، وفراغ قاتل، وقلق مستمر .

إن الإسلام دين كامل، وشرع شامل، محيط بمصالح الأنام، ومشتمل على عظيم الحكم وجلي الأحكام، مبني على اليسر ورفع الحرج، وللعبد فيه عند كل ضائقة فرج، تدور أحكامه على تحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتعطيلها، فهو دين الفطرة والحنيفية السمحة، برأه الله من الآصار والأغلال، وجعله الشرع الخالد حتى يؤذن لهذه الدنيا بالزوال، فهو طريق الاستقامة، ومنهاج الكرامة، فلا سبيل إلى إصلاح أمور الخلق إلا به، وقد برهنت التجارب على صدقه وصحته، كما دلت الشرائع والفطر السليمة على حقيقته، فإن الدين كله صلاح وإصلاح، ودفع للشرور والأضرار، ودعوة إلى الخير والهدى، وتحذير من الشر وأنواع الأذى . ذلك بأن الدنيا  تجيش بمشكلات الحياة، فتن ودماء، ونكبات وأرزاء، والبشر يتخبطون في دياجير الظلمات، فيهتدون من وجه، ويضلون من وجوه، إما بجهل بما دل عليه الدين وأرشد إليه . وإما مكابرة وغي، ومقاصد سيئة، وأغراض فاسدة .

عباد الله : لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم لأمته كل شيء، ووقع ما أخبر  به من أحوال بئيسة، وفتن جسيمة، يرقق بعضها بعضاً، فوجب على الأمة أن تستلهم مما جاء به، الطريق إلى المخرج من الفتن، والسبيل القويم في الإحن . فلقد توفي صلى الله عليه وسلم  وما ترك خيراً إلا ودلنا عليه، ولا شراً إلا وحذرنا منه، وما من طائر يحلق في السماء، إلا ترك لنا منه علماً، حتى قال سلمان رضي الله عنه : لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى الخراءة . ومن المحال أن يكون صلى الله عليه وسلم قد علم أمته آداب الخلاء، وآداب الوطء، وآداب الطعام والشراب، ويدع تعليمهم السبيل في الفتن، مع شدة حاجتهم إلى ذلك، كيف وقد أخبرهم بما سيحصل لهم من هنات وفتنة، وغربة وكربة .

عباد الله : لقد بات لزاماً على كل من يحمل علماً – وإن قلّ -، أو يملك قلماً – وإن كلّ -، أن يهتك الغشاوات التي حجبت العقول . إن غياب منهج النبوة، قد أوقع بعض الناس في شرور مستطيرة، وفتن كبيرة، ونظراً عباد الله : لما نراه من منكرات ، وما نلاحظه من متغيرات ، وما نعيشه من متناقضات ، وما ابتلي به بعض الناس من التضييق عليهم في المعاش ، ولارتفاع معدلات البطالة ، وما تنحاه بعض وسائل الإعلام ، في محاولة لتغريب هذا المجتمع ، والهجوم المركز على المؤسسات الدينية ، واتهام صارخ للمناهج الشرعية التعليمية ، إلى غير ذلك من الضربات الموجعة ، لمسلمات هذا المجتمع ، كل ذلك أدى إلى تباين الناس في التعايش مع هذه الأحداث المتسارعة ، والأفكار المتصارعة .... فقسم منهم روج لها وارتضاها ، ودعا إليها وتبناها ، وهم مراض القلوب ، ضعاف الديانة ، متبعو  الشهوات ، المصطادون في الماء العكر ، مستغلو الفرص ، مزيفو الحقائق ، المتباكون على مصلحة الأمة .... وقسم في بادىء الأمر أنكروها ، ومع التقادم ألفوها ، وهم عامة الناس ... وقسم عليها ساخط ، وبها غير راضٍ ، يسعى حثيثاً لتغييرها ، ويمشي سريعاً للقضاء عليها ، وهؤلاء بين جاف وغال ومتوسط ، فأما الجافي ، فهم الداعون إلى الدعة ،المكتفون بالحسبلة والحوقلة ، المنكرون بقلوبهم ، مع إمكانية التغيير باللسان  .

 وأما الغالون فهم الذين رأوا التغيير بالقوة ، ولو أدى إلى سفك الدماء المحرمة ، وإزهاق النفوس المعصومة ، وإتلاف الأموال المملوكة ، وترويع الآمنين ، وبث الرعب في صفوف المؤمنين ، متجاهلين صحيح النقول ، متعامين عن صريح العقول .... وقسم توسط بين هذا وذاك ، علم أن الله بالإسلام شرفه ، وبالتوحيد كرمه، فنظر في النصوص ، وفهمها بفهم السلف الصالح ، ورجع في كل ما أشكل عليه إلى العلماء ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ فسلك سبيلهم ، واقتفى آثارهم ، وإن قالوا بخلاف مراده ، وأفتوا بغير هواه ، ونظر إلى من حوله من الديار ، وما حل بها من الدمار ، واسألوا أهل الجزائر يا أولي الأبصار ، عملاً بقوله  «من رأى منكم .....» قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - وليس لأحد أن يزيل المنكر بما هو أنكر منه مثل أن يقوم واحد من الناس يريد أن يقطع يد السارق ،  ويجلد الشارب ، ويقيم الحدود ، لأنه لو فعل ذلك لأفضى إلى الهرج والفساد " أ.هـ

الخطبة الثانية :

عباد الله : إنه لا مخرج من تلك البلايا العظيمة، والدواهي الجسيمة، التي أحاطت بالأمة من كل جانب، إلا برجوع صادق إلى الكتاب والسنة، على فهم سلف الأمة، من أهل القرون المفضلة، فسبيلهم أقوم سبيل، وهم أهل اللسان، وبلغتهم نزل القرآن، وهم خير من قام بالإسلام، فهماً وتعليما وتطبيقاً، وحسبهم أن زكاهم الله ورسوله، فلنمض في الطريق الذي مضوا فيه، وإن طالت الأزمان . تطبيق للتعاليم، وتنفيذ للأحكام، ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ ليس من الرعية فحسب، بل من الراعي والرعية، فإذا كان يجب على الراعي العدل في القضية، والقسمة بالسوية، فكذلك على الرعية، بذل السمع والطاعة في غير معصية، وعدم مفارقة الجماعة . ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ (خ،م) ابن مسعود «إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها ، قالوا يارسول الله فما تأمرنا قال : تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم» .

 وخرج ( م ) من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال : «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، فميتته جاهلية، ومن خرج على أمتي، يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، فليس مني ولست منه» .

وفيه أيضاً عن حذيفة مرفوعاً : «تكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، وسيكون فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس»" قال : قلت : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال : «تسمع وتطيع، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع»" .

وقال عمرو بن العاص لابنه "يابني احفظ عني ما أوصيك به : إمام عادل خير من مطر وابل ، وأسد خطوم خير من إمام ظلوم ، و إمام ظلوم خير من فتنة تدوم"

وعن سماك بن الوليد الحنفي أنه لقي ابن عباس بالمدينة فقال ما تقول في سلاطين علينا، يظلموننا ويشتموننا، ويعتدون علينا في صدقاتنا، ألا نمنعهم ؟ قال ابن عباس : لا، أعطهم يا حنفي !  يا حنفي الجماعة الجماعة إنما هلكت الأمم الخالية بتفرقها .

وسمع الحسن رجلاً يدعو على الحجاج ، فقال : لا تفعل – رحمك الله – إنكم من أنفسكم أتيتم ، إنما نخاف إن عزل الحجاج أو مات، أن تليكم القردة والخنازير . وقارنوا رحمكم الله : هذا بما حصل في العراق .

عباد الله : تباً لعبد لم يرض من الدين ما رضيه مولاه، وما أخسر صفقته يوم يقف بين يديه معرضاً عن هداه، ساء مثلاً القوم الذين تنكبوا الوسائل الشرعية، والطريق النبوية .

إن سلوك الطرق المنحرفة، من أعظم وسائل إضعاف الأمة، وإنهاك قوتها، وإبادة جهودها، وذريعة للمتربصين بالدعوة لوئدها، والإجهاز عليها، وإلصاق التهم بها، فقد طعنوا في الهيئات، واتهموا المقررات، وقذفوا الصالحين بالموبقات . نسأل الله أن يكشف الغمة، ويزيل الكربة، ويهدي ضال المسلمين، وأن يصلح حالنا، ويثبت أمننا، ويكفينا شر الأشرار، وكيد الفجار، وأن يرحمنا برحمته، ويتم علينا نعمة الأمن والإيمان .