خطر الاستهزاء بالدين

بسم الله الرحمن الرحيم

خطر الاستهزاء بالدين

إن دين الإسلام، الكامل في أحكامه، الشامل في تشريعاته، قد هدى إلى أرقى الأخلاق، وأرشد إلى أكمل الآداب، ونهى عن مساوئ الأفعال، ومستقبح الأقوال، وإن مما وجه إليه الإسلام من الفضائل والآداب ؛ العناية بأدب الحديث، وحسن المنطق، وحفظ اللسان عن اللغو وفضول الكلام.

فحق هذه النعمة أن تُشكر ولا تكفَر، وأن يُراعى فيها ما يجب لله تعالى من حفظٍ عن الحرام، وصيانة عن الآثام، فإن اللسان من أعظم الجوارح أثرًا، وأشدها خطرًا، فإن استُعمل فيما يُرضي الحق، وينفع الخلق ، كان من أكبر أسباب السعادة في الدنيا والآخرة، وإن استعمل فيما يسخط الجبار، ويضر بالعباد ، ألحق بصحابه أكبر الأوزار، وأعظم الأضرار ، وأورده موارد البوار ، وأوقعه في كبائر الإثم وعظيم الموبقات ، من غيبة ونميمة، وكذب وافتراء، وفحش وبذاء، وتطاول على عباد الله ، بل لربما أفضى بالبعض إلى أن يجرِّد لسانَه مِقراضًا للسخرية والاستهزاء، والتنقص والازدراء، وتعداد المعايب، والبحث عن المثالب، وتلفيق التهم والأكاذيب، وإشاعة الأباطيل، لا يحجزه عن ذلك دينٌ ، ولا يردعه عنه مروءة ولا حياء .

وإن المتأمل في الواقع ؛ ليرُوعه أن أكثر ما ينشغل به الكثير من الناس ، في المجالس والمنتديات ، وما يُبثُّ عبر وسائل الإعلام ، غالبه من لغو الكلام ، وفضول القول، تميل إليه الأنفس، وتصغي إليه الآذان، وتلوكه الألسن، ثم لا تعود منه بطائل، ولا تخرج منه بفائده، بل غالبه يعود بالضرر في العاجل والآجل.

أيّها المسلمون : و لا تزال حلقاتُ الكيدِ بالمسلمين تتتابَع، ومكرُ المتربِّصين يتسارع، وقوى الحقّ والباطل تتصارع ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِىّ عَدُوًّا مّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ وتأتي على الأمّة الفواجعُ والزّوابع ، لتُظهر دخيلةَ أهل النفاق والشّقاق ، وسوءَ طويَّتهم، وتكشفَ رداءَ المداوَرة، وتمزِّق ثوبَ المراوغة، وصدق الله ﴿أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَـٰنَهُمْ

أيها المسلمون : ينتكس المنافقون في فهمهم ، فتراهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، لا فرق في ذلك بين الرجال والنساء، يشتركون في السمة والأداء ،  كما يشتركون في العقوبة والجزاء ﴿ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَاتُ بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ﴾  هذه صفتهم في كل زمان ومكان، وهذه طبيعتهم لا يتغيرون ولا يتبدلون ، وتاريخ المنافقين حافل بالسخرية بالدين ، والاستهزاء واللمز بالمتدينين، وتلك طامة كبرى ؛ كشف فيها القرآن دخيلة المنافقين ، وحكم بكفرهم عليها ربُّ العالمين ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءايَـٰتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءونَ  لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ﴾ و قال تعالى ﴿زُيّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ﴾ المنافقون هم الأعداء ، هم الذين خططوا لأعظم النكبات ﴿هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ

ويأتي الهجومُ المعلَن ، والعداء المبطَّن ، على الإسلام وعلمائه ، وأهله وأسُسِه ، وثوابته ومناهجِه وبلاده ، مِن ذوي الفكر المقبوح ، والتوجُّه المفضوح؛ ليؤكِّد بجلاءٍ ، أنَّ مِن بين صفوف الأمّة أدعياء ، كاذبون في الولاء والانتماء، سلكوا مسالكَ عدائيّة، وطرحوا عبر المسلسلات أفكارًا علمانيّة ، احتسى كلُّ واحدٍ منهم مِن قيح الخُبث ، وقبيح الأباطيل، ونطق بالزّور وافترى الأقاويل ، تمثيلياتٌ شوهاء ، وكلِمات عرجاء ، وحماقاتٌ خرقاء، ألسنةٌ شأنُها الإفك والخطَل، وقلوبٌ أفسدَها سوءُ العمل، يريدونَها فتنةً عمياء، ويبغونها حياةً عوجاء، نقدٌ بلا عِلم، وحوار بلا أدب، ومعالجة بلا فهم، غثٌّ فارغ ، واستخفاف ماكر ، أسافل قد علَت ، وأقزامٌ تطاولت، تهافَتت على الزور وتعاهدت، شراذمُ قاصرون ، و شذّاذ أفّاكون ، جاؤوا ببضاعة غربيّةٍ ، اسمُها العلمانيّة ، هدفُها إزاحة الإسلام عن الحياة بالكليّة، يدعون أمَّتهم إلى مذاهبِ الغرب في الحُكم والإدارة، وسلوك مسالكهم في الوضع والتشريع، يعشقون حياةَ الفجور والانحراف، ويُبغِضون حياةَ الطّهر والعفاف ، يهاجِمون الحجابَ والجلباب، ويطالبون بالسّفور والاختلاط، وينادون بمساواة الرّجل بالمرأة ، يتباكون على المرأة وحقوقِها ، ويعترضون على أحكام الخالق ، يتهكمون بقوامة الرجل ، ويسمونها استعبادا .

يريدون أن نبرأ مِن عقيدتِنا وأخلاقِنا ، وقِيَمنا وتاريخنا وأمجادِنا؛ لنواليَ عقيدة الكفر والجحود ، وأخلاقَها وقيمَها وحياتها ، يلمِزون العلماءَ والصّلَحاء، ويسخرون و يستهزؤون، ويحاربون أهلَ الحسبة ، ويلفّقون التُّهمَ ضدَّهم ، وينتهكون أعراضَهم، ويكتمون إنجازاتِهم، ويسكتون عن حسناتِهم ، سلِمت من نقدهم القنواتُ الخليعة ، والمجلاّت الهابِطة ، ودورُ الأفلام والغناء ، ولم يسلم منهم شرع الله ، تخبُّطٌ ظاهر ، وظلمٌ جائر، وانتكاسة جليّة ، وحرب عقديّة، يطرحون أفكارًا تبعَث على الإثارة والشحناء، ينظرون إلى أمّتهم بازدراء، وإلى تاريخها باحتِقار، وإلى قيَمها وأخلاقها بإهانةٍ واستصغار، يدَّعون الصدقَ والإصلاح ، ويرمون غيرَهم بالرجعيّة والتعصّب ، والجمود والتطرّف والإرهاب ﴿وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ

الخطبة الثانية

المستهزؤون بالدين وتعاليمه ؛ قومٌ مارقون ، من جادَل عنهم فقد جادل عن الباطل، ومن أعانهم فقد أعان على هدمِ الإسلام ، يزعمون إصلاح الخلل ، وتقويم المعوج ، ووضع اليد على موطن الألم ، بطريقة مضحكة ، تجذب المشاهد ، وتدخل السرور على المتابع ، ولو طعنوا في الدين .. هل تناسوا قوله صلى الله عليه وسلم «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبيَّن فيها يهوي بها في النار أبعدَ ما بين المشرق والمغرب» وفي رواية «إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظنُّ أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه»

أيّها المسلمون : من سبَّ الله أو سبَّ رسوله ، أو أتى بقولٍ أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين ، أو استهزأ بالقرآن أو أسقط حرمته ، فلا يجهل أحدٌ حكمَ الله فيه، ولا يُرجَى منه لأمّته خيرٌ ولا صلاح ، ولا توجيه ولا إصلاح . إلا ما شاء الله .

إنَّ أيَّ مشروع للإصلاح ، لا ينبُع من عقيدة الأمّة ، وكتاب ربّها ، وسنّة نبيّها ، وتوجيه أهلِ العلم والصلاح فيها ، فهو إصلاحٌ موهوم ، وتغيير مذموم ، وإفساد معلوم، يقول أبو بكر بن عيّاش رحمه الله تعالى: "إنّ الله بعث محمّدًا إلى أهل الأرض وهم في فساد، فأصلحهم الله بمحمّد ، فمن دعا إلى خلاف ما جاء به محمّد كان من المفسدين في الأرض".

أيّها المسلمون : مَن رام هدًى في غير الإسلام ضلّ ، ومَن أراد إصلاحًا بغيره زلّ، ومَن ابتغى عِزًّا في غير الإسلام ذلّ، ومن توهم أمنًا بدون التوحيد ضاع أمنه واختلّ .  فليس القصد من هذه المسلسلات ؛ علاج القضايا والمشكلات ، وأنى لحلول تأتي من أصحاب دياثة !!  متى كان أصحاب الأفلام موجهون ، ومتى كانت العاهرات مصلحات ، إنه ليس للضحك فحسب ، وليس لقضاء الوقت فقط ، بل هو خنجر في خاصرة الأمة ، وسكين في قفا النيام ، و إن مطالعيه يتبادلون الضحكات ، وقد انسلخ من دينهم ما انسلخ ، وسقط من مروءتهم ما سقط ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً﴾.

 أيّها المسلمون : الثباتَ الثباتَ ، أمام ملتطَم العاديات ، ومستنقع المتغيّرات، فحثّوا المطيّ، وأرخوا من أزمَّتها، وانزعوا إلى دار لا ينصرِم نعيمُها ، ولا يحيل مقيمُها، واستمسِكوا بدينكم، وعضّوا عليه بنواجذكم، وانقادُوا لحُكمه، واخضَعوا لإرشادِه، وسارعوا لإنكار هذه الظواهر الغريبة ، بالطرق المشروعة ، والسبل المتاحة ، تسلموا مِن الفتن، وتنجوا من المِحن .