مكانة المسجد

بسم الله الرحمن الرحيم

مكانة المسجد

أيها المسلمون: لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم جمعنا في أعظم جامعة ، آخت بين قلوبنا ، وجمعت كلمتنا، ووحدت شملنا، ولمت شعثنا، إن المسجد في الإسلام له مكانة رفيعة ، وقدسية وطهارة ، يعتاده المؤمن ، ويصلي فيه المصلي، ويعتكف فيه المعتكف، ويتعبد فيه المتعبد، ويتعلم فيه المتعلم، لا يخلو من المتعبدين ، ولا من الدارسين المتفقهين . وقد أضاف الله المساجد إلى نفسه ، إضافة تشريف وإجلال . وتوعد من يمنع من ذكره فيها ، أو تسبب في خرابها. فقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ

وقد شهد الله تعالى لعمار المساجد بالإيمان، ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ﴾. وامتدح عمارها بذكره: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾. رجال يعمرون بيوت الله سبحانه ، رجال يحافظون على الصلوات جماعة في المسجد.

ووعد سبحانه بالثواب الجزيل ، لمن بنى له مسجدًا, ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من بنى لله مسجدًا بنى الله له بيتًا في الجنة».

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح» متفق عليه.

عباد الله : لقد نشأت مكانة المسجد ، وترعرعت في قلوب المسلمين ، حيث كان مصدر النور ، والعلم والبصيرة ، أعلى الله شأنه ، ورفع ذكره ، فيه الصلاة والاعتكاف ، والدروس والخطب ، والمشاورات والقرارات ، وفيه استقبال الوفود ، وإبرام العهود ، وهو أحب البلاد إلى الله، «أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها, وأبغض البلاد إلى الله أسواقها».في المساجد تطهر النفوس وتزكوا، و يجد المؤمن راحته ، حيث يناجي مولاه، ويتوجه إليه بالركوع والسجود، والتلاوة والدعاء .

ولقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله ، يوم لا ظل إلا ظله، فذكر منهم: «ورجل قلبه معلق بالمساجد» كلما نودي للصلاة سارع بشوق، وإذا قضيت ظل القلب معلقًا بالمسجد . قلوب ملأها الإيمان والتقى, فسارعت إلى الخيرات, سارعت إلى محو الخطايا ورفع الدرجات, سارعت إلى النور التام يوم القيامة, سارعت إلى الصلاة فانتظرت الصلاة، فلم تزل الملائكة تصلي على أصحابها ، قلوب أبت سبيل المنافقين الذين لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى .

المساجد بيوت الله عز وجل في الأرض ، أطهر الساحات ، وأنقى البقاع ، فيها تنزل الرحمات، وتهبط الملائكة ، وتحل السكينة. وتنشر الصلة والمودة والرحمة، ويتعارف فيها المسلمون ، فيتآلفون ويتعاونون ، ويتزاورون ويتراحمون ، يفقد المريض فيزار ، والمقصر فينصح ، تربت في أحضانه أجيال ، تعلمت توحيد الله ، نشأت على إخلاص العبادة لله ، محبة وإنابة, ورغبة ورهبة, وخوفًا ورجاءً, وإخلاصًا وتوكلاً, وذلاً وتعبدًا ﴿وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً﴾.

لقد كانت المساجد رياضاً رحبة ، وأمكنة فسيحة ، يتعلمون فيها أمور دينهم ، ويحفظون كتاب ربهم ، كانت مكاناً للجيوش الفاتحة ، والسرايا المبعوثة ، فيه تعقد الألوية والرايات ، من المسجد سجل التاريخ سيراً حافلة ، لعلماء أجلاء ، ملأوا الدنيا علماً وتعليماً .

من المسجد انطلقت مواكب الدعوة ، من المسجد سارت جحافل المجاهدين ، من المسجد تلقى الناس التربية ، وفيه عرفوا الحلال من الحرام ، والسنة من البدعة ، والواجب من المحرم . ولما أيقن المسلمون بهذا الدور ، جنوا ثماره عزاً وتقدماً ، ورفعة وتمكيناً .

أيها المسلمون : ليس لأحد أن يسيء الأدب في بيت الله عز وجل ، ينبغي أن تكون له مكانة سامية ، ومنزلة رفيعة ، وحصانة شرعية . فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها» متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد ففقدها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فسأل عنها فقيل له إنها ماتت فقال : «فهلا آذنتموني؟ فأتى قبرها فصلى عليها»، فتنظيف المساجد وإبعاد الروائح الكريهة عنها من الواجبات ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم آكل الثوم والبصل من الدخول إلى المسجد .

والمؤمن مطالب بأن يلبس الثياب الحسنة عند المجيء للمسجد، ﴿يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ وعلى الداخل له أن يمشي بالسكينة والوقار، فعن أبي قتادة قال : بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال: «ما شأنكم» قالوا استعجلنا إلى الصلاة، قال: «لا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» رواه الشيخان .

الخطبة الثانية

واستمرت المساجد تؤدي دورها ، قروناً طويلة ، إلى أن أصبحت الأمة في مرحلة الغثائية ، فالمسجد ضعف دوره ، وانحسر مده ، ونضب معينه ، لم تعد المساجد تؤدي رسالتها ، ولم تحقق أهدافها ، فعقم جيلها ، وسكتت ألسنتها، واختفت حلقاتها ، وانطفأ نورها ، وانعدم دورها. تغير حالها ، وساء تعامل الناس معها ، وأحدث فيها ما يتنافى مع مكانتها وقدسيتها، وما لا يليق بكرامتها، ففي بعض البلاد صار يدفن فيها الأموات ، وتمارس حول قبورهم جميع أنواع الشرك الأكبر ، من دعاء الأموات ، والاستغاثة بهم ، وطلب المدد منهم، فأصبحت هذه المساجد ، مصادر للوثنية . بعد أن كانت معاقل للتوحيد.

 ما حال مساجدنا اليوم ؟ قلب طرفك في واقعنا ، يتساهل بعض المصلين بتحية المسجد ، عن أبي قتادة رضي الله عنه قال - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين».

هل علمنا أبناءنا آداب المسجد ، أم أننا تركناهم فيها يسرحون ويمرحون ، يؤذون المصلين ، ويفسدون أنس الخاشعين .

والجوالات ، وما أدراك ما الجوالات ، إنها أجهزة حديثة ، غزت جيوب الناس ، ورافقتهم أنا يذهبون ، والمصيبة أن البعض يتلذذ بسماع الموسيقى المنبعثة منها ، حتى وهو في الصلاة ، وبين يدي مولاه ، ما اكتفى بوزره ، فأحب حمل أوزار من سواه .

 والبعض في هذه الأيام ونحن على أبواب الدراسة ، يأخذ المصاحف من المسجد ، ويوزعها على أبنائه ، ويعيدها في نهاية العام ، وقد مزقت وأتلفت ، وغدت مكاناً للكتابة والعبث ، أما علم بأن إخراجها من المسجد حرام .

والبعض يأتي إلى المسجد متأخراً ، فيتخطى رقاب الناس ، راغباً في فضيلة الصف الأول ، ضيق على الخلق ، وكسب غضب الرب .

 وطائفة أخرى جعلت همها سرقة الأحذية ، والجديد منها على وجه الخصوص ، ولا تنسى عشاق الدورات ، وما فيها من الكتابات ، وكأن المسجد ومرافقه ، أهون شيء على بعض الناس .