فضائل ذكر الله

بسم الله الرحمن الرحيم

فضائل ذكر الله

إن الحمد لله.. أيها الناس :

لا ريب أن ذكر الله ودعاءه هو خير ما أمضيت فيه الأوقات ، وصرفت فيه الأنفاس ، وأفضل ما تقرب به العبد إلى ربه ، وهو الحصن الحصين ، والحرز المكين ، في ذكر الله حياة القلوب ، والقرب من علام الغيوب ، في ذكر الله كشف الغموم ، وتفريج الكروب ، في ذكر الله زوال المكروه ، وحصول المطلوب ،لذكر الله مكانة في الدين ، ومنزلة رفيعة في نفوس المسلمين ، بذكر الله يحصل النصر ، ويثبت الله القلب في مواطن الفزع ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ إذا أكثر العبد من ذكر الله اطمأن قلبه ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ إما إذا أعرض عن ذكر الله فإنه يبقى مضطرب القلب ، مشوش الفؤاد ، مشتت الفكر ، كثير القلق ، ضعيف الهمة والإرادة ، ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى

ذكر البيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من ساعة تمر بابن آدم لا يذكر الله تعالى فيها إلا تحسر عليها يوم القيامة» ذكر الله من أجل المقاصد ، ومن أنفع الأعمال ، وقد أمر الله به ورغب فيه ، ومدح أهله وأثنى عليهم قال تعالى ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ وقال تعالى ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ وقال ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾ .

أخرج الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا أنبئكم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم ، فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال : ذكر الله».

وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «سبق المفردون ، قالوا : وما المفردون يا رسول الله ؟ قال : الذاكرون الله كثيراً والذاكرات»

وروى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت» .

لذكر الله فوائد جمة ، ومنافع عظيمة ، وآثار لا تخفى ، ومزايا لا تنسى ، منها : أن ذكر الله يطرد الشيطان ويقمعه ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ ويقول تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾ .

قال ابن عباس رضي الله عنهما : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس ، وإذا ذكر الله تعالى خنس .

ومن فوائد الذكر أيضاً : أنه يجلب لقلب الذاكر الفرح والسرور ، ويورثه الراحة والحبور ، ويجعل القلب مطمئناً ساكناً ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ .

ومن فوائده : أنه يورث ذكر الله لعبده كما قال تعالى ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى «من ذكرني في نفسه ، ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ، ذكرته في ملأ خير منهم» .

ومن فوائده : أنه يحط الخطايا ويذهبها ، وينجي الذاكر من عذاب الله فعند الطبراني من حديث جابر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما عمل آدمي عملاً أنجى له من العذاب من ذكر الله تعالى ، قيل ولا الجهاد في سبيل الله ، قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع»

ومن فوائده : أنه يترتب عليه من العطاء والثواب والفضل ما لا يترتب على غيره من الأعمال ، مع أنه من أيسر العبادات ، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر».

ومن فوائده أيضاً : أنه غراس الجنة ، كما عند الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لقيت ليلة أسري بي إبراهيم الخليل فقال : يا محمد أقرئ أمتك مني السلام ، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة ، عذبة الماء ، وأنها قيعان ، وأن غراسها : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر» .

اللهم اجعلنا لك ذاكرين ، لك شاكرين ، لك مطواعين ، إليك مخبتين أواهين منيبين . أقول ما تسمعون

الخطبة الثانية

الحمد لله

ومن فوائد ذكر الله تعالى : أن كثرته أمان من النفاق فقد قال تعالى عن المنافقين ﴿وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ وقد ختم الله سورة المنافقين بقوله ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ﴾ فإن في ذلك تحذيراً من فتنة المنافقين الذين غفلوا عن ذكر الله ، فوقعوا في النفاق عياذاً بالله من ذلك .

ومن فوائده أيضاً : أنه شفاء للقلب ، ودواء لأمراضه قال مكحول رحمه الله : ذكر الله تعالى شفاء ، وذكر الناس داء . جاء رجل إلى الحسن البصري رحمه الله فقال : يا أبا سعيد : أشكو إليك قسوة قلبي ، قال : أذبه بذكر الله .

ومن فوائده : أنه سبب في إظلال الله العبد في ظله يوم لا ظل إلا ظله كما عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» وذكر منهم «ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه» .

ومن فوائده : جزيل أجره مع سهولة أدائه وخاصة في حال الكبر والضعف ففي الترمذي من حديث عبد الله بن بسر أن رجلاً قال : يا رسول الله : إن شرائع الإسلام قد كثرت علي ، وأنا قد كبرت ، فأخبرني بشيء أتشبث به ، قال : «لا يزال لسانك رطباً بذكر الله تعالى» وعند ابن حبان من حديث معاذ رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل ؟ قال : «أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله عز وجل».

روى الطبراني من حديثابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من عجز منكم عن الليل أن يكابده ، وبخل بالمال أن ينفقه ، وجبن عن العدو أن يجاهده ، فليكثر ذكر الله»

ومن فوائده : أنه سبب في حصول معية الله كما عند ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إن الله عز وجل يقول : أنا مع عبدي إذا هو ذكرني ، وتحركت بي شفتاه» ذكر الله من صفات الملائكة ﴿وَلَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ﴾.

عباد الله : إن ذكر الله يكون بالقلب ، وباللسان ، وبالجوارح ، فذكر الله بالقلب بأن يكون متعلقاً بالله ، مستحضراً لعظمته ، متفكراً في آلائه ، متأملاً في أسمائه وصفاته . وأما ذكر الله باللسان فهو النطق بكل ما يتقرب به إلى الله كالتهليل والتكبير والتحميد والتسبيح وقراءة القرآن وطلب العلم وتعليمه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأما ذكر الله بالجوارح فهو فعل كل ما يتقرب به إلى الله كالطهارة والصلاة والصيام والحج وبر الوالدين وصلة الأرحام وكل فعل يقربك إلى الله فهو ذكر لله . قال سعيد بن جبير رحمه الله : كل عامل لله بطاعة ، فهو ذاكر لله عز وجل .

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، اللهم أعز الإسلام