منزلة العلماء

بسم الله الرحمن الرحيم

منزلة العلماء

إن الحمد لله

فقد أنعم الله علينا في هذه البلاد ، بعلماء ربانيين ، حملوا العلم خلفاً عن سلف ، عدالة في الرواة ، واتصال في الإسناد ، حتى وصل إلينا هذا العلم ، خالياً من الشوائب ، لا تعكره بدعة ، ولا يلوثه هوى . نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على الله .

واستمع إلى فضل أهل العلم : قال الإمام الآجري رحمه الله تعالى (إن الله عز وجل وتقدست أسماؤه – اختص من خلقه من أحب ، فهداهم للإيمان ، ثم اختص من سائر المؤمنين ، من أحب ، فتفضل عليهم فعلمهم الكتاب والحكمة ، وفقههم في الدين ، وعلمهم التأويل ، وفضلهم على سائر المؤمنين ، وذلك في كل زمان وأوان ، رفعهم بالعلم ، وزينهم بالحلم ، بهم يعرف الحلال من الحرام ، والحق من الباطل ، والضار من النافع ، والحسن من القبيح ، فضلهم عظيم ، وخطرهم جزيل ، ورثة الأنبياء ، الحيتان في البحار لهم تستغفر ، والملائكة بأجنحتها لهم تخضع ، مجالسهم تفيد الحكمة ، وبأعمالهم ينزجر أهل الغفلة . هم أفضل من العباد ، وأعلى درجة من الزهاد ، حياتهم غنيمة ، وموتهم مصيبة ، يذكر ون الغافل ، ويعلمون الجاهل ، لا يتوقع لهم بائقة ، ولا يخاف منهم غائلة . بحسن تأديبهم يتنازع المطيعون ، وبجميل موعظتهم يرجع المقصرون ، جميع الخلق إلى علمهم محتاج ، والصحيح على من خالف بقولهم محجاج . ما أشكل على قضاة المسلمين من حكم ، فبقول العلماء يحكمون ، وعليه يعولون ، فهم سراج العباد ، ومنار البلاد ، وقوام الأمة ، وينايبع الحكمة ، هم غيظ الشيطان ، بهم تحيا قلوب أهل الحق ، وتموت قلوب أهل الزيغ ، مثلهم في الأرض كمثل النجوم في السماء ، يهتدى بها في ظلمات البر والبحر .

وقال الإمام القزويني في شأن العلماء : كرامتهم عظيمة ، ولحومهم مسمومة ، من شمَّها مرض ، ومن أكلها سقم ، وأوصيكم معشر الناس والملوك بالعلماء خيراً ، فمن عظمهم فقد عظم الله سبحانه وتعالى ورسوله ، ومن أهانهم فقد أهان الله تعالى ورسوله ، أولئك ورثة الأنبياء وصفوة الأولياء ، ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ﴾ .

وفي فضل العلم وأهلة يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى : (لولا العلم لكان الناس كالبهائم في ظلمات الجهالة ، ولولا العلم لما عرفت المقاصد والوسائل ، ولولا العلم ما عرفت البراهين على المطالب كلها ولا الدلائل . العلم هو النور في الظلمات ، وهو الدليل في المتاهات والشبهات ، وهو المميز بين الحقائق ، وهو الهادي لأكمل الطرائق ، بالعلم يرفع الله العبد درجات ، وبالجهل يهوي إلى أسفل الدركات)

ومن خصال العلماء : أن في بقائهم مصلحة للأمة ، وفي ذهابهم مفسدة وخيمة ، قال صلى الله عليه وسلم «إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعا ولكن ينتزعه مع قبض العلماء بعلمهم ، فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون» أخرجه الإمام البخاري .

ومن خصالهم : أن بضاعتهم باقية بعد موتهم ، وأغلب بضاعة من سواهم زائلة ، قال صلى الله عليه وسلم «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلى من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له» أخرجه مسلم .

ومن خصالهم : أن أجرهم يتضاعف بتضاعف المنتفعين بعلمهم ، كما قال صلى الله عليه وسلم : «من دل على خير فله مثل أجر فاعله» أخرجه مسلم.

ومن خصالهم : أن مجالسهم محفوفة بالملائكة ، والرحمة تغشى تلك المجالس ، والسكينة تنزل عليهم ، وأن الله تعالى يذكر هم فيمن عنده ، «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده» أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .

ومن خصالهم : أن جليسهم لا يشقى بهم ، كما صح في الخبر «هو القوم لا يشقى بهم جليسهم» رواه الشيخان .

ومن خصالهم : أنهم عدول الأمة والمدافعون عن دينها ، كما ورد في الحديث : «يحمل هذا الدين من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين» .

ومن خصالهم أيضاً : أنهم أحق الناس بولاية الله تعالى لهم ﴿أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ .

وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال : «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب» أخرجه البخاري .

قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : (إذا لم يكن العلماء أولياء الله ، فلا أعرف لله وليا) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى (المراد بولي الله : العالم بالله المواظب على طاعته)

الخطبة الثانية

إن من أهان العلماء فقد عرض نفسه لوعيد النبي صلى الله عليه وسلم المتمثل في قوله : «ليس منا من لم يجل كبيرنا ، ويرحم صغيرنا ، ويعرف لعالمنا حقه» رواه أحمد والحاكم عن عبادة رضي الله عنه .

و من اغتابهم أو رضي بغيبتهم فهو معرض لموت القلب ، قال ابن عساكر رحمه الله تعالى (اعلم – وفقني الله وإياك لمرضاته – وجعلني وإياك ممن يتقيه حق تقاته – أن لحوم العلماء مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار متنقصهم معلومة ، وقل من اشتغل في العلماء بالثلب إلا عوقب قبل موته بموت القلب ، ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ .

وعن علي رضي الله تعالى عنه قال : من استخف بالعلماء ذهبت آخرته . إن المجتمع الذي يهان فيه العلماء مجتمع متداع للتصدع والفوضى ، كيف لا ؟ والعلماء نور للناس ، بهم يقتدون ، وعن رأيهم يصدرون ، فهم للناس كالشمس في النهار ، وكالعافية للبدن . إن في إهانة العلماء وإسقاط حقهم وكرامتهم ، تنفيذا وتحقيقا لما تسعى إليه يهود – قبحها الله - فقد جعلوا طمس هوية العلماء ومسخ مكانتهم من أهم أهدافهم التي يسعون إلى تحقيقها .

جاء في بعض بنود مخططاتهم ما نصه : وقد عنينا عناية عظيمة بالحط من كرامة رجال الدين . فيا من تدعي معرفة مخططات الأعداء ، ما لي أراك تحقق أهدافهم من حيث لا تشعر ، أي خطر أعظم على الأمة ، إذا سقطت مكانة علمائها ، أسألك بالله لأي شيء تهدف ، وإلى أي أمر تريد أن تصل ، إذا أسقطت مكانة العلماء ، أتظن أن في ذلك صدعاً بالحق ؟ وما الذي يدريك أنه حق ؟ أليسوا العلماء ؟

وكلمة أصبحنا نسمعها كثيراً ، وأخذ يرددها بعض الناس ، من غير تأمل في معناها ، ولا تبصر إلى مرماها ((لم يعد للأمة مرجعية علمية)) إسمع يا من تردد هذه العبارة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» رواه البخاري ومسلم .

قال البخاري رحمه الله : هم أهل العلم ، وقال أحمد رحمه الله : إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم . فهل بلغت منزلتهم ، حتى تتبين خطأهم :

أقلوا عليهم لا أبا لأبيكمو من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا .

ألا ترى أن الناس محتاجة إلى العلماء ، فإذا طعنت فيهم ، فإلى من سيلجؤون ، ومن يستفتون ، وأي باب يطرقون ، وبقول من يتمسكون ، سيلجؤون إلى مشايخ الشاشات الفضائية ، وإلى مفتي الشبكات العنكبوتية ، الذين ظاهرهم ينبيك عن باطنهم ، ناهيك عن الخلل العقدي ، والانحراف السلوكي ((فهل هذه هي المرجعية التي تريد)) أ لأنهم وافقوا هواك في مسألة – وقد لا يكون الحق معكم - فاتقوا الله يا مسلمون ، وانظروا إلى الأمور بحكمة وعلم ، وبعد نظر وتقدير للمصالح والمفاسد ، لا بعاطفة وتسرع .

وأسوق على مسامعكم شيئا من النصوص في هذا الشأن ، يتبين من خلالها مدى الخطورة التي تترتب على بخس العلماء حقهم ، وكذلك بيان حال من استخف العلماء ، وكونه على شفا جرف هار يوشك أن ينهار به ، إ ن لم يتب إلى الله تعالى من جرمه وذنبه .

أن من عادى العلماء فهو معاد لله وقد آذنه الله بالحرب قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال : «من عادى لي وليا فقد آذنته بالرحب …» أخرجه البخاري .