خطبة عيد الأضحى 1423 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة عيد الأضحى

بمسجد عبد العزيز السعيد

الحمد لله رب العالمين .. الله أكبر،  الحمد لله،   الله أكبر

الله أكبر ما نطق بذكره ناطق، الله أكبر ما صدق في قصده صادق، الله أكبر ما أقيمت شعائر الدين، الله أكبر ما رفرفت بالنصر أعلام المؤمنين، الله أكبر ما أحرموا من الميقات، الله أكبر ما رفعوا بالتلبية الأصوات . سبحان من تسبح له السماوات وأملاكها، والنجوم وأفلاكها، والأرض وسكانها، والبحار وحيتانها، والنجوم والجبال، والآكام والرمال، والشجر والدواب، وكل يابس ورطب ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ .

الله أكبر ... الله أكبر ... لا إله إلا الله

عباد الله : اتقوا الله الذي إليه تحشرون، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون، واعلموا أن يومكم هذا، يوم رفع الله قدره، وعيد أبان فضله، وشرّف ذكره، فهو يوم الحج الأكبر، يجتمع فيه وفد الله بمنى؛ لإكمال مناسكهم، وتجتمعون أنتم لإقامة ذكر الله وللصلاة، والتذكير بأيام  الله .

الله أكبر ... الله أكبر ... لا إله إلا الله

عباد الله : واجب عظيم أمر الله به، أول ما يفقد من الدين، به تصان حقوق الله وحقوق الناس، و تحفظ به الأعمال، من التفريط والإهمال . إنها فضيلة عظمى، ومسئولية كبرى،  عجزت عنها السموات والأرض والجبال، وأبين أن يحملنها، وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً . إنها الأمانة . وإذا فَقَدت أمة الأمانة . فلن تجد إلا آفات جائحة ، ورزايا قاتلة ، وبلايا مهلكة ، وفقراً معوزاً ، وذلاً معجزاً . وإذا ضُيِّعت الأمانة ، ووسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة .

عباد الله : لئن كانت الأمانة عظيمةً في قدرها ، فإنها واسعةٌ في دلالتها ، إنها داخلة في علاقة المرء بربه، وعلاقته بالناس أجمعين . فهل قام كل مسؤول بالأمانة التي حمّله الله إياها، وإياك أن تظن أن المقصود غيرك، أو أن المراد سواك، فإياك أعن ، وأنت من أخاطب .

 العبادة أمانة ، فهل أديناها حق الأداء ؟ توكلنا على من ؟ خوفنا ممن ؟ رجائنا فيمن ؟ ذبحنا ونذرنا لمن ؟ حلفنا بمن ؟ سائر عباداتنا، هل صرفتها لله، موافقين فيها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . انظروا إلى صلاتنا، هل أديناها في أوقاتها مع الجماعة، أم أننا ممن يؤخرها عن وقتها، ويتثاقل عن أدائها . فشابهنا المنافقين، ورغبت عن سنة سيد المرسلين .

أما علماء الشريعة، وحراس الملة ، فهم مؤتمنون في علمهم وتعليمهم، يبينون للناس ما لا يسعهم جهله، لا يكتمون العلم ، ولا يحجبون النصيحة  ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾ .

وأما ولاة أمور المسلمين فعليهم تفقّدُ أحوال الرعية، والعدلُ في القضية، والحكم في الناس بالسوية، على نور من الكتاب والسنة المحمدية، قوامين لله بالقسط، يعمرون البلاد، ويأطرون على الحق العباد، ولهم حق السمع والطاعة، في غير معصية .

وهل قام الآباء بأمانة التربية للأبناء ؟ هل حرصت على اصطحابهم للمساجد، هل أمرتهم بالصلاة، هل أطرتهم على الحق، هل ألزمتهم كريم الأخلاق، ونبيل الطباع،  أم أنك تركتهم فريسة لكل ناعق، ودمية في يد كل فاسد، تركتهم لجيل المقاهي الليلية، والمكالمات الغرامية، والقنوات الفضائية، تركتهم فريسة للأعداء، ولقمة سائغة لمن شاء . الغرب الكافر مقصِدهم، وتقليد الأعداء سبيلهم، وثقافته أمنيتهم، وأعياده أعيادهم، يتلقى التربية من غيرك، سيطرت عليه أقلام مأزورة، وشاشات مسعورة، بمالك اشتريتها، وإلى بيتك أدخلتها، وتظن أنك تحسن صنعاً، وتواكب العصر والتطور، حتى ففسدوا وأفسدوا .

وماذا قدمنا للنساء ، من زوجات وبنات، هل عظمنا في نفوسهن الكتاب والسنة ، هل أمرناهن كما أمرهن الله بالحجاب، هل بينا لهن فضائل الحشمة والحياء، هل ألزمناهن كما أراد الله بالقرار في البيوت، أم أنهن في الأسواق متروكات، ولكل ذئب فريسات، وعلى الهاتف عاكفات، كاسيات عاريات، مائلات مميلات، أصباغ وفتحات، قصات وعدسات، وتشبه بالكافرات، ناهيك عن البرقع واللثام، ولا تغفل عن قلة الحياء، ورفع الأصوات في الطرقات، وتمايل وضحكات، وأرقام ومعاكسات، والله أعلم بالقادمات، من الفتن والمدلهمات .

 ويا من انبرى للتربية والتعليم، اعلم أنك  تحملت أمانةَ حمايةِ العقول، وصيانةِ الأفكار، من كل شبهة ومن كيد الكفار، ازرع في قلوب طلابك تعظيمَ الله، والانقيادَ لشرع الله، والاعتزازَ بتطبيق السنة ، والسيرَ على خطا سلف الأمة .

ويا معاشر الموظفين، اتقوا الله في معاملات المسلمين، وساووا بين المراجعين، وإياكم و المعاملات  المكتومة، و الشفاعات غير المشروعة، إياكم أن تأكلوا إلا حلالاً، اتقوا الرشوة فقد لعن صاحبَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم .

ويا من وسع الله عليه في الرزق، فصار عندك الخدم والحشم والعمال، فما شكرت نعمة الله، ولا أديت فيها حق الله، منعت الزكاة، وماطلت الأجير، فصار ديدنك المماطلة والتأخير .

 ويا من ضاقت عليك الدنيا، واحتجت إلى وقفة أخيك، فسألته قرضاً حسناً، أو كفالة عند ذي يسار، فما تردد ولا تأخر، أليس من حقه عليك الوفاء، هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، أما تخشى من وعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله» (خ)

 أما أصحاب الأقلام ، ورجال الإعلام، فهم المؤتمنون على الكلمة الصادقة، إنهم سفراؤها، بهم تظهر الحقيقة إن شاءوا . بأقلامهم وألسنتهم تهدم عروش وتبنى، وتنهار شعوب وتحيى، وتنشر الفضائل أو تطمر . يقون الأمة - إذا صدقوا - من سفه الجاهلين، وكيد الحاقدين، وكذب الدعاية . لكن وللأسف هَمَّ بعضهم إيقاظ الفتن، يأتون بالتفسيرات الباهتة، والنظريات الباطلة، وينسجون الشبه، ويؤججون نارها، يسودون الصحائف، ويفتنون ضعاف العقول . حتى سادت ثقافة أفسدت السلوك والأخلاق، فلا دينا حفظت، ولا دنيا أقامت . فليتق الله كل مسئول ، فكلكم راع وعن رعيته مسئول . اللهم إنا نعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة . أقول ما تسمعون

الخطبة الثانية

فإن من آثار تضييع الأمانة ، ما تمر به أمة الإسلام، من ذل وهوان، وما تلك التقلبات والأطوار، إلا ليُجري الله حكمته، ليبلو ويمحص، وليَمِيز ويمحق ﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ﴾ . أمةٌ أصر أعداؤها على تمزيقها، ووضعوا الخطط لتفريقها، وتداعُوا لنهب حقوقها، وقتل روح الدين والعزة فيها، تسلطوا على الشعوب والديار، مزقوا الأرض قطعاً، وصيروا الأهل شيعاً ﴿قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ .

هُجِّر ا لآلاف من المسلمين، الغذاء عندهم غير موجود، يعيشون بأنفس محطمة، وآمال تائهة، فقدوا الآباء والأمهات، والأبناء والزوجات، والقريب و العشير، والجليل والحقير . تمد إليهم كسر من الخبز، وقطع من الكساء، وجُرَعات من الدواء، ملطخة بكثير من المن .

عباد الله :قد نال ذلك دولًا مسلمة، في الشيشان، وكشمير وأفغانستان، وإياك إياك أن تنسى فلسطين الحبيبة، وأرضها السليبة، وقدسها الشريفة، استولى اليهود وعبثوا، واقتحموا وأحرقوا، بل لقد داسوا المساجد والمقدسات، وقتلوا الصائمين والعابدات،  والمصلين و الذاكرات . عدوان على الجميع غاشم، وظلم عليهم جاثم، أحرق الأرضين والقلوب، فصار فيه الأخضر يبساً، والأمل يأسا. أمة مستضعفة، تلصق بها التهم وهي بريئة، وينزل عليها العقاب وهي بعيدة .

عباد الله : لقد أصبح العدو يُوَلول بلا مواربة، ويصرخ بالعداء بلا مداهنة. لم تعد الأخبار ولا وسائل الإعلام،  تحمل إلا أنباءَ الإسلام، والصراعَ مع المسلمين، ولو غيروا بالمصطلحات عبثا ، وشوهوا الحقائق غبشاً . لم يعد للحياء عندهم مجالاً، يقتلون ويدَّعون البراءة! يشردون ويرمون غيرهم بالبهتان! فهل ترون أن ما أصابنا من غير أنفسنا ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ 

عباد الله : إن هذا هو يوم الحج الأكبر، والموسم الأشهر، جعله الله عيداً للمسلمين، وشرع فيه ما شرع من شعائر الدين، تقرباً لله وتعظيماً لأمره ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾ ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ﴾ فضَحُّوا، وكلوا من أضاحيكم، واهدوا وتصدقوا، واعلموا أنه كلما كَمُلت الأضحية في خِلقتها، وغلا ثمنها، فهو أفضل .