على أبواب الإجازة

بسم الله الرحمن الرحيم

على أبواب الإجازة

17/6/1429هـ(غ)

إن السفر والترحال والسياحة أمر ذو بال ، فالإنسان مجبول على حب التنقل والضرب في الأرض، والناس لهم في السفر والسياحة مقاصد شتى ومآرب متنوعة .ولقد كان العرب ، يسافرون ويسيحون في الأرض، إما سداً للفاقة، أو طلباً للراحة، أو للقتال والغارة، وهذا محمد صلى الله عليه وسلم سافر وانتقل وساح في الأرض مرات وكرات إبان شبابه قبل البعثة وبعد نبوته ما بين حج وعمرة، وهجرة وجهاد وتجارة. جاء الإسلام العظيم مشرقاً بنوره ، فزكى مبدأ السياحة وسما به، وامتن الله على قريش حين ذكرهم بأنه هيأ لهم أسباب رحلتين عظيمتين ، إلى اليمن تارةً وإلى الشام أخرى، فقال سبحانه ﴿لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ *إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ﴾ فهي في الإسلام عبادة يؤجر المرء عليها ولها في القرآن والسنة الثناء الجميل والذكر النبيل فلقد وردت السياحةُ في كتابِ اللهِ وسنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم تحملُ معاني ساميةً، وارتبطَ وصفُ السائحينَ بنماذجَ عاليةٍ من البشر، يقولُ تعالى ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ والسائحون هم : الصائمون في قول أكثر المفسرين ، واستدُلَ لهُ بقولهِ تعالى في وصفِ نساءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ﴿عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ﴾ وكذا فسرَ السياحةِ بالصيام؛ أَبو هريرةَ، وابن مسعودٍ، وابن عباسٍ، وعائشة وغيرهم- رضي الله عنهم- . وقال عطاء: السائحون: هُمُ الغزاةُ المُجاهِدُونَ في سبيلِ الله، وقيل السائحون : المُهاجِرون. وقيل : السفر في طلب العلم قال عِكرِمةَ السائحونَ: هم طلبةُ العلمِ، وقيل : سياحةُ القلب في معرفة الله ومحبته . قال الشيخ ابنُ سعدي رحمه الله : (والصحيح أن المراد بالسياحة السفر في القربات ، كالحج والعمرة، والجهاد وطلب العلم، وصلة الأقارب، ونحو ذلك)

السياحة في الإسلام ، تظهر دين الله وتحميه وتنصره قال صلى الله عليه وسلم: «إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله» سياحة للنظر والتدبر والتأمل والتفكر في ملكوت الله ، ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأرضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ سياحة لطلب الرزق وتأمين الأمة معيشياً ، سياحة لطلب العلم والفكر والخير والدعوة إلى الله. هذا مفهوم السياحة في الإسلام.

عباد الله: ومع شدة حر الصيف اللافح، ولأواء الشمس و هجيرها، وسخونة الأجواء التي يتصبب منها الجبين عرقاً، يستعد كثير من الناس لقضاء الصيف والإجازة ، فحجوزات تؤكد، وتذاكر تشترى، وحقائب تجهز، وأحزمة تربط ، وأموال ترصد، حيث ييممون وجوههم قبل المصايف ، ويرحل بعضهم للبلاد الخارجية، حيث أجلبوا بخيلهم ورجلهم، وانطلقوا زرافات ووحدانا للسفر والسياحة ، ذلك أن بعض المسلمين يجدون في شدة حر الصيف ولهيب سمومه عذراً ومسوغاً للسفر للبلاد الخارجية، سفراً بلا حدود، وانطلاقاً بلا قيود، وسعياً بلا هدف، ووجهة بلا غاية، حتى لو كان في ذلك ما فيه من الوقوع في المحرمات، وإهمال الواجبات، والاختلاط والتبرج والسفور .

حملوا الصغير قبل الكبير، والعاجز قبل القادر، واصطحبوا النساء ومَنْ تحت ولايتهم إلى بلاد الكفر والنصرانية، ومراتع الإلحاد والإباحية، يريدون قضاء الإجازة والصيف، بداعي اللهو والترفيه، والراحة والاستجمام، ولكنهم جنوا على أنفسهم، وضيعوا أولادهم، وأهملوا محارمهم، وغفلوا عن أعراضهم، ووقعوا فيما حرمه الله عليهم. تلوث عقدي، وفساد أخلاقي، تحلل من الضوابطِ والقيمِ.

يا عجباً لهؤلاء الذين ركبوا دابة السفر، وامتطوا ثبج السياحة ؟! يفرون من ديارهم ديار التوحيد والإيمان إلي ديار الكفر والطغيان، يهربون من ديار ملؤها الأمن والأمان إلى بلاد تتزايد فيها نسب الجرائم والقتل تزايد الثواني، يتولون عن ديار طاهرة مباركة، يدوي فيها الآذان، وتعج بالتكبير، إلى ديار خواء تصلصل فيها أجراس الكنائس .

يا هؤلاء لئن كان السفر جبلاً يعبق بالهواء العليل، فذلك موجود في بلادنا المحافظة ، ولئن كانت السياحة سهولاً وبحراً عباباً، فذلك موجود في ديارنا المسلمة، ولئن كانت السياحة علوماً تجتنى، ومعارف تقتنى فبلادنا موئلها.

ومن المنكرات التي تحدث في الإجازة والصيف إهمال الأولاد والبنين والبنات خاصة في السفر إلى المصايف وعند المنتزهات والشواطئ، وتبدوا صور الإهمال بجلاء في عدم أمرهم بالصلاة، وسهرهم المفرط، وإهمال أمر الستر والحجاب ، وكذلك عدم تجنيبهم مواطن الفتنة والبلاء فيزج بهم في أماكن يحدث فيها التبرج والسفور والاختلاط.

فيا أيها الآباء والأولياء : الله الله في رعاية الأبناء ومن تحت أيديكم من النساء قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا

الخطبة الثانية

عباد الله : هناك مجال للترفيه والراحة والتنزه ولكن بالسبل المباحة المأمونة التي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع ، هناك بدائل شرعية وبدائل مباحة ومن هذه البدائل ومنها :

الذهاب للعمرة إلى بيت الله الحرام أو زيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال صلى الله عليه وسلم : «صلاة في مسجدي افضلُ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجدَ الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضلُ من مائة ألف صلاة فيما سواه» رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني.

وكذلك السفر في بر الوالدين، وصلة الأرحام، وزيارة العلماء والصالحين ، وإجابة دعوات الأفراح والمناسبات، التي ليس فيها منكرات قال صلى الله عليه وسلم : «من لم يجب الدعوة فقد عصى ابا القاسم».

وكذلك السفر لأجل الدعوة إلى الله قال تعالى :﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ وقال صلى الله عليه وسلم: «فوالله لن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم» .

ومن الأمور المعينة على استغلال الإجازة والفراغ ، طلب العلم وتحصيله والسفر لأجله قال صلى الله عليه وسلم «ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة»

ولقد كان السلف يرحلون في طلب العلم والمعرفة فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول : لو أعلم مكان أحد أعلم مني بكتاب الله تناله المطايا لأتيته وقال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه : رحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد " أهـ.

وقال الشعبي رحمه الله : لو سافر رجل من الشام إلى أقصى اليمن في سبيل كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى ما كان سفره ضائعاً " أهـ.

وكذلك العناية بالقرآن الكريم والاشتغال به حفظاً وتلاوةً وتعلماً وتعليماً قال صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».

ومن البدائل المتاحة والمتيسرة بحمد لله السياحة النقية والنزهة البريئة إلى ربوع بلادنا المحافظة ، التي يحمد لها ما وفرته من محاضن تربوية وبرامج نافعة ، من حلق ومدارس لتعليم القران الكريم وهاهي الدورات العلمية تفتح أبوابها لتزود الشاب بالعلم النافع، تحفظ وقته، وتقربه لربه.