سبيـل العزة

بسم الرحمن الرحيم

سبيـل العزة

الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام دينا، وأنزل علينا في كتابه نوراً مبينا، أحمده على جزيل نعمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . أرسله بالهدى ودين الحق، فهدى به من الضلالة وبصر به من العمى، وأتم به النعمة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا .  أما بعد :

فإنّ الله سبحانه وتعالى منَّ على هذه الأمة ببعثة محمّد صلى الله عليه وسلم . قال تعالى : ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ . كانوا في الجاهلية في ضلال مبين ؛ لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا ، يعبدون الأصنام والأحجار، والأولياء والأشجار ، والصالحين والملائكة . وكانوا متفرِّقين في عباداتهم ، كلٌّ يتّخذ له ربًّا يعبده من دون الله عز وجل . وكانوا في مجال السياسة والحكم، متشتِّتين لا تجمعهم دولة، بل منهم من يتَّبع الفرس ، ومنهم من يتَّبع الروم، وكثير منهم تتسلَّط عليهم الرئاسات، كل قبيلة تحكم نفسها ، وكل قبيلة تنتهك حرمات القبيلة الأخرى، في الدماء والأموال والأعراض … والغلبة فيها للقوي ، أما الضعيف فإنه مُهان ومستضعف، لا قيمة له عندهم . وكانوا في جانب الاقتصاد من أحقر الدول ، يأكلون ما هبَّ ودبَّ، ودرج على وجه الأرض ؛ فيأكلون الميتة وما نالته أيديهم ، لا يعرفون حلالاً ولا حرامًا .

فلمَّا أراد الله لهم الخير، وأراد لهم العزَّة والقوة في الأرض، بعث إليهم رسولاً منهم ، وهو محمّد صلى الله عليه وسلم ، من صميم العرب ، ومن أشرف العرب ، وفي أقدس مكان على وجه الأرض ، بعثه برسالته يدعوهم إليه سبحانه وتعالى ، وأنزل عليه الكتاب والسُّنَّة ، وصار يعلِّمهم بعد أن كانوا جهَّالاً ، ويهديهم إلى الحق بعد أن كانوا ضُلاَّلاً،  بعثه بالدين القويم، والمنهج المستقيم، أرسله رحمة للعالمين، وإماماً للمتقين، وحجة على الخلائق أجمعين، أرسله على حين فترة من الرسل، فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل، وافترض على العباد طاعته وتعزيره وتوقيره، ومحبته والقيام بحقوقه، وسد دون جنته الطرق، فلم تفتح لأحد إلا من طريقه، فشرح له صدره، ورفع له ذكره، ووضع عنه وزره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره . كما عند أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال : «بعثت بالسيف بين يدي الساعة، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري» .

وكما أن الذلة مضروبة على من خالف أمره، فالعزة لأهل طاعته ﴿وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ .

عباد الله : إن طاعة هذا الرسول طاعة لله ﴿مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ فأي مسلم بلغته سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وجب عليه اتباعها، وافقت هواه أو خالفته . وإن إنساناً يزعم أنه متبع لهذا الرسول، ولكنه لا يأخذ من سنته إلا ما وافق هواه، فإنه كاذب في زعمه ودعواه، متبع لهواه قال جل وعلا : ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ وقد عاب الله على بني إسرائيل هذا الصنيع مع أنبيائهم فقال ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾.

عباد الله : إن شهادة أن محمداً رسول الله تقتضي منا طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع صلى الله عليه وسلم .

فيا عباد الله : تمسكوا بهدي نبيكم واجعلوه أسوتكم وإمامكم، في كل ما تعملون من أقوال وأفعال، ولا تميلوا إلى اتباع النفس والهوى والشيطان، فإنكم في دار ابتلاء وامتحان، والرسول صلى الله عليه وسلم ، يأمرنا بأمر الله، يبين لنا الحلال من الحرام.. وينهانا عن اتباع الأهواء والضلال . ولئن كانت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم نوراً، فإن عدمها لظلام، ولئن كانت حياةً، فإن عدمها لموت، ولئن كانت عزاً وعلوا، فإن عدمها لذل وهوان ﴿وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ﴾ .

عباد الله : رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يأكل بشماله فقال له : «كل بيمينك» فقال : لا أستطيع . فقال له صلى الله عليه وسلم : «لا استطعت؛ ما منعه إلا الكبر» ، قال الراوي : فما رفعها إلى فيه .

وإننا يا عباد الله : تبلغنا أوامر ونواه كثيرة، عن نبينا صلى الله عليه وسلم فنترك العمل بها أو نتساهل، متابعة لأهوائنا، أو مجاراة للناس، فنعرّض أنفسنا لعقوبة الله، مع ما يفوتنا مما في متابعته صلى الله عليه وسلم ، من الخير العظيم في العاجل والآجل.

وثالثة الأثافي يا عباد الله أن هذه العقوبة قد نصيب من دين المرء مقتلاً، حتى يكفر قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند قوله تعالى : ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أمر من خالف أمره أن يحذر الفتنة، والفتنة الردة والكفر .

وقال العلامة ابن القيم في مخالفي النبي صلى الله عليه وسلم : "توعدهم بأنهم إذا أصابتهم مصيبة في عقولهم وأديانهم وأبدانهم وأموالهم بسبب إعراضهم عما جاء به الرسول وتحكيم غيره والتحاكم إليه كما قال تعالى : ﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ اعتذروا بأنهم إنما قصدوا الإحسان والتوفيق" .

الحمد لله :

عباد الله :

لقد قالوا : عن التمسك بالسنة جمود ورجعية، وتأخر وهمجية، فلا تهولنكم هذه الألقاب، فقد قيل فيمن هو أجل منكم أعظم من ذلك، فصبروا على ما أوذوا، وما ضعفوا وما استكانوا ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ .

وما عرف هؤلاء المخدوعون أن الجمود : هو عدم قبول الحق . فإن الذي لا يقبل الحق قد تحجر قلبه وطبع عليه، فأصبح غلفاً لا يصل إليه النور . وأن الرجعية : هي الرجوع إلى الباطل  وأن التأخر : هو التأخر عن الخير إلى الشر . وكل هذه الأوصاف موجودة فيهم .

وأما المتمسك بالسنة، فهو بحمد الله طيب القلب، سليم التفكير، سباق إلى الخير، لا جامداً ولا رجعياً، ولا متأخراً ولا همجياً .

عباد الله :

ما الذي أضعفنا في هذا الزمن، الذي نحن أحوج ما نكون فيه إلى القوة والعزة ؟ ما الذي أخرنا وسلط الأعداء علينا ؟ حتى استعبدونا وأهانونا، وسامونا العذاب ! حتى صرنا غثاء كغثاء السيل، وأصبحنا كما نرى، من ضعف وذل وهوان، وتفكك وتخاذل ؟! بعد أن كنا قادة وسادة، بعد أن ملكنا الدنيا قرونا،

إن ما حل بنا اليوم، إنما سببه تفريطنا بالتمسك بديننا، والتماس الهدى من غيره . فلما أعرضنا عن تحكيم الكتاب والسنة، والمحاكمة إليهما، واعتقدنا عدم الاكتفاء بهما، عرض لنا من ذلك فساد في فطرنا، وظلمة في قلوبنا، وكدر في أفهامنا، ومحق في عقولنا، وعمتنا هذه الأمور وغلبت علينا، حتى شب عليها الصغير، وهرم عليها الكبير، فلم نرها منكراً، ولن تذهب عنا هذه الآفات، ونكون أمة صالحة قوية، ونستعيد مجدنا، ونكون كما كان أسلافنا، أئمة وقادة، هداة ومرشدين، إلا إذا رجعنا إلى كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، واستمسكنا بهما، وعملنا بما فيهما، وحكمناهما في كل صغير وكبير، في سياستنا وأخلاقنا، وعباداتنا ومعاملاتنا، فالله تعالى ﴿لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ .