خصائص مجتمعنا

بسم الله الرحمن الرحيم

خصائص مجتمعنا

عباد الله : لا حياة لأمة الإسلام إلا بالإسلام ، بقاؤها مرهونٌ بالمحافظة عليه ، وفناؤها راجعٌ إلى التفريط فيه ، تدوم بدوامه في قلوبها ، وتضمحل باضمحلاله من نفوسها . إنه شرعها و نظامها ، بل هو عزها وحياتها . دينٌ كاملٌ في مبناه ، واف في معناه ، سام في مغزاهُ ، لا يقبل الله ديناً سواه ، ولا يرضى أن يعبد بغير مقتضاه ، لا ينجو المكلف بغير اتباعه ، لا ترى فيه عوجاً ولا أمتاً ، من آمن به اهتدى ، ومن خالفه ضل وغوى ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾ .

أيها المسلمون : لقد بقي الإسلام بأحكامه قروناً متطاولةً ، طوف في الآفاق ، نزل السهول والوديان ، واقتحم الصحاري والجبال ، وحل بالمدن والأرياف ، لاقى مختلف العادات ، وتقلب في شتى الظروف والبيئات ، عاصر الرخاء والشدة ، والغنى والفقر ، وصاحب الأمن والخوف ، والقوة والضعف ، واجه الأحداث في جميع هذه الأطوار ، وحكم وأفتى في كل هذه الأدوار ، فكانت له اليد الطولى والسلطان الممدود ، لم يعجز عن قضية ، ولم يتعثر في نازلةٌ . ما قصر عن حاجة ، ولا قعد عن الوفاء بمطلب . لا يغلب فيه قانونٌ على اقتصاد ، ولا مادةٌ على أخلاق ، ولا دينا على دين ، إنه قضاءٌ واقتصادٌ ، وروحٌ وأخلاق ، ودين ودنيا . قال ابن القيم رحمه الله في وصف الشريعة المطهرة : حسب العقول الراجحة ، والآراء الفاضلة ، أن تدرك حسنها ، وتشهد بفضلها ، فما طرق العالم شريعة أكمل ولا أجل ولا أعظم منها ، فهي نفسها الشاهد والمشهود له ، والحجة والمحتج له ، والدعوى والبرهان . أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده ، وما أنعم عليهم بنعمة أجل من أن هداهم لها ، وجعلهم من أهلها ، ارتضاها لهم وارتضاهم لها .

ثم استمعوا إلى قول قتادة رحمه الله وهو يصف حال العرب قبل الرسالة وهو يتلو قول الله تعالى : ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَ﴾ يقول قتادة : كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلاً . وأشقاه عشياً ، وأبينه ضلالة ، و أعراه جلوداً ، وأجوعه بطوناً ، بين فكي أسد فارس والروم ، لا والله ما في بلادهم يومئذ شيء يحسدون عليه ، من عاش منهم عاش شقياً ، ومن مات ردي إلى النار ، يؤكلون ولا يأكلون . والله ما نعلم قبيلاً يومئذ من حاضر الأرض كانوا فيها أصغر حظاً ، وأضعف شأناً منهم ، حتى جاء الله عز وجل بالإسلام فورثكم به الكتاب ، وأحل لكم به دار الجهاد ، ووضع لكم به الأرزاق ، وجعلكم به ملوكاً ، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم فاشكروا نعمته ، فإن ربكم منعم يحب الشاكرين ، وإن أهل الشكر في مزيد من الله ، فتعالى ربنا وتبارك .

أيها المسلمون إن الله يأمرنا بأن نأخذ الإسلام جملة وتفصيلاً ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ إن أول مفاهيم هذه الدعوة أن يستسلم المؤمنون بكلياتهم لله ، في ذوات أنفسهم وفي الصغير والكبير ، وفي النية و العمل ، والرغبة والرهبة ، وتتوافق خطرات نفوسهم واتجاهات مشاعرهم مع ما يريد الله بهم ، وما يقودهم إليه نبيهم ودينهم . فكان هذا المجتمع العفيف الذي لا تشيع فيه الفاحشة ، ولا يتبجح فيه الإغراء ، ولا تروج فيه الفتنة ، ولا ينتشر فيه التبرج ، ولا تتلفت فيه الأعين إلى العورات ، ولا ترف فيه الشهوات على الحرمات ، هذا المجتمع الذي تحكمه التوجيهات الربانية ، تأمن الزوجة على زوجها ، ويأمن الزوج على زوجته ، ويأمن الأولياء على حرماتهم وأعراضهم ، حيث لا تقع العيون على المفاتن ، ولا تقود العيون القلوب إلى المحارم . وهو المجتمع الذي لا يخضع البشر فيه للبشر . إنما يخضعون لله ولشريعته ، في طمأنينة و ثقة و يقين ، في مجتمعنا لا تقود المرأة السيارة ، ولا تطالب بالبطاقة ، في مجتمعنا تغطي المرأة وجهها ، في مجتمعنا لا مكان للاختلاط في التعليم ، ولا سعي لدمج البنات مع البنين ، مجتمع له خصوصيته ، خصوصية سما بها من شرع الله ، واستمدها من سنة رسول الله ، ما شرعت أنظمته عقول المفكرين ، ولا سنت قوانينه أفكار الواضعين ، ولهذا فلا نرضى بغيره بديلاً ، ولا نقبل عنه تحويلاً .

الخطبة الثانية

فقد شع نور التوحيد من هذه الجزيرة ، ورضعنا العقيدة من ألبان الأمهات ، وتفتقت أنظارنا في مجتمع مسلم موحد ، تربينا على محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، تعلمنا الاعتزاز بالإسلام . تأدبنا بآدابه ، ورضينا سلوكه ، وانقدنا لتعاليمه ، ما أحله أحللناه ، وما حرمه حرمناه ، وما دعانا إليه قبلناه ، وما نهانا عنه تركناه . الإسلام يقودنا في العبادات ، ويحكمنا في المعاملات ، ويحدد لنا العلاقات. فتدفقت علينا الخيرات ، وانفتحت علينا البركات ، ولا زلنا في نعم الله نتقلب ، آمنين في أسرابنا ، معافين في أبداننا ، عندنا قوت يومنا ، فكأنما حيزت لنا الدنيا بحذافيرها . لكن شرذمة محسوبة من بني جلدتنا ، تلقت ثقافتها ممن لا خلاق لهم ، أو تأثرت بأفكارهم ، فصنعت على أيديهم ، ودست في صفوف الأمة ، ومكنت في أهم المؤثرات ، إنه الإعلام . ؛ أخذوا يوجهونه لخدمة أفكارهم ، فأفسدوا الأخلاق ، وشككوا في العبادات ، بل وطعنوا في العقيدة ، علموا أن المرأة سلاحهم الفتاك ، وإخراجها من بيتها هدفهم المنشود ، أن يتولى تعليم المرأة صالح الناس ؟ شيء لا يطاق ، أن تبقى الهيئات تأمر وتنهى ؟ شيء لا يحتمل ، فتكالبوا على الطعن والتشكيك في ثوابت الأمة . أرادوا نزع الغيرة ، وإماتة الحياء ، ووأد الفضيلة ، ونشر الرذيلة ، كتابات في الجرائد والمجلات ، أعد لها و خطط ، متى يطرحون ؟ وبأي لسان يتكلمون ؟ يتباكون على المصلحة ، ويدندنون حول الاقتصاد ، ويتمسكون بأهداب الأخطاء البشرية . ويتغاضون عن أخطاء بني قومهم . ولو كانت كالجبال ، يقولون نسعى لحرية الرأي ، أحريةٌ للطعن في الدين ؟ أحريةٌ لتغيير الثوابت ؟ فلماذا لا ينشرون المقالات الهادفة ، ولماذا لا يسمحون للآراء المخالفة ، أليس لنا مثلهم حرية ، أم أنه تيار لهم مخالف ، ولزيفهم كاشف .

فلا إله إلا الله ،، كم من معقل للإسلام قد هدموه ، وكم من حصن قد خربوه ، وكم من علم قد طمسوه ، وكم من لواء مرفوع قد وضعوه ، وكم ضربوا بمعاول الشبه في أصول غراسه ليقلعوها ، وكم غيروا في المصطلحات وشوهوها ، وكم عبثوا في المبادئ . وتلاعبوا بالقيم . ما أكثرهم لا كثرهم الله وهم الأقلون . وما أعتاهم وهم الأذلون ، و ما أجهلهم وهم المتعالمون ، فالله المستعان على ما يصفون ، وعليه التكلان فيما يجترؤن . لكنهم بفضل الله ممقوتون ، وللعقلاء مكشوفون ، وبأقلامهم مفضوحون . عباد الله : يجب أن لا تنطلي علينا الحيل ، فنقول لنا المنابر ولهم الجرائد ، لنا المساجد ولهم المسارح ، لنا الدين ولهم الدنيا ، بل لنا المنابر والجرائد ، والإعلام والتعليم ، فنحن لا نرضى بأنصاف الحلول ، و اطراح الدين وتحكيم العقول ، وإني من هذا المكان ، لأدعو كل غيور ،وكل من أوتي بياناً ، أو قلماً سيالاً ، أن نداهم الجرائد والمجلات ، وسائر المشروع من المجالات ، لطرح قضايانا بميزان الشرع والدليل . وإنني لأدعو كل من يجري في دمه حب الله ، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم أن نتابع ما يكتب وما يبث في وسائل الإعلام ، وكلما وجدنا مخالفة شرعية ، أو مطاعن عقدية ، أن نسارع لإنكار ذلك بنصح الكاتب وتخويفه بالله ، والكتابة لرئيس التحرير ، والكتابة لولاة الأمر وفقهم الله . لا تتركوهم يعبثون ، ولا تدعوهم يتطاولون ، فما غرهم إلا سكوتنا ، ولا جرأ هم إلا حلمنا ، وما تطاولوا إلا بتخاذلنا . فهل من انتفاضة تبدد أو هام الكسل ، وهل من وقفة ترد الجاهل ، وتكف أذى المتطاول . ﴿فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾. عسى أن يكون في هذا الحدث عبرة وعظة ، فيستيقظ النائم ، ويتنبه الغافل ، ويتعلم الجاهل . عسى أن يكون فيه دحراً للأعداء ، وعزاً الإسلام ، وثباتاً على المبادئ ، وكشفاً للمخططات ، وإحقاقاً للحق ، وإزهاقاً للباطل . عسى أن يكون بمثابة الشرارة ، التي تضيء الغيرة في القلوب ، عسى أن ترتد على الأعداء السهام ، وعسى أن يرجع الكيد إلى النحور .