حسن الخلق

بسم الله الرحمن الرحيم

حسن الخلق

فيا أيها الناس: اتقوا الله الذي لابد لكم من تقواه، فإن من اتقى الله وقاه، وهي خير الزاد في الدنيا والآخرة، وهي خَلفٌ من كل شيء ، وليس منها خلف، وقد تكفل الله لأهلها بالنجاة مما يحذرون، والرزق من حيث لا يحتسبون، وشرح الصدور ، و تيسير الأمور، ووضع الوزر، ورفع الذكر، وإنها من أكرم ما أسررتم، وأزين ما أظهرتم، وأفضل ما ادخرتم، فاجعلوها إلى كل خير سبيلا، ومن كل شر مهرباً .

أيها المسلمون: كثيرا ما يرد في الكتاب والسنة ، الجمع بين تقوى الله وحسن الخلق، وذلك للتنبيه على أنهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، فتقوى الله شجرة ، وحسن الخلق ثمرة ، وهي أساس وهو بناء، وهي سر وهو علانية، وضعفه دليل على ضعفها، فهو برهانها والدليل عليها، والشاهد الصادق لها، يذكر الله تعالى المتقين في مواضع من كتابه فيصفهم بأحسن الأخلاق، ويبرئ ساحتهم من النفاق وسيء الأخلاق ، ويذكر سبحانه أهل البر والإحسان، فيصفهم بالتقوى ، وعظيم الخشية من الملك الأعلى، ويبين ما لهم عنده من الخير في الآخرة والأولى .

أيها المسلمون : الآداب والأخلاق ، عنوان صلاح الأمم والمجتمعات ، ومعيار فلاح الشعوب والأفراد ، ولها الصلة العظمى بعقيدة الأمة ومبادئها ، بل إنها التجسيد العملي ، لقيم الأمة ومثلها ، وعنوان تمسكها بالعقيدة ، ودليل التزامها بالمنهج السليم ، والصراط المستقيم ، ولا يتم التحلي بالأخلاق العالية ، والآداب السامية ، إلا بترويض النفوس على نبيل الصفات ، وكريم السجايا والعادات ، تعليماً وتهذيباً ، و اقتداءً وتقويماً . ومن شمولية هذا الدين و عظمته ، أنه دين الأخلاق الفاضلة ، والسجايا الحميدة ، والصفات النبيلة ، جاءت تعاليمه بالأمر بالمحافظة على الأخلاق الحسنة ، صغيرها و كبيرها ، دقيقها و جليلها ، أفراداً ومجتمعات ، وأسراً وجماعات . الأخلاق  تزيد الشريف شرفاً ، وترفع الوضيع ذكراً ، حتى تبلغه مقامات الأنبياء ، ودرجات الأولياء ، وما وصل للمنازل العالية ، إلا بالأخلاق الفاضلة ، ولا أقرب لقلوب الناس ، من صاحب الأخلاق الحسنة ، ولا أوحش لقلوبهم وأبعد ، من صاحب الخلق السيئ .

حث صلى الله عليه وسلم على التحلي من الأخلاق بحسنها «اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن» وقال صلى الله عليه وسلم : «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا» وما وضع في الميزان يوم القيامة أثقل من حسن الخلق ، فهو أكثر ما يدخل الناس الجنة ، ويبعدهم عن النار ، قال صلى الله عليه وسلم «ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة ، من خلق حسن وإن الله ليبغض الفاحش البذيء» . وروى أبو داود من حديث أبي أمامة – رضي الله عنه – أنه صلى الله عليه وسلم قال : «أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه».

قال الحسن البصري رحمه الله : "حسن الخلق : الكرم والبذل والاحتمال" .

وقال ابن المبارك عليه رحمة الله : "حسن الخلق بسط الوجه ، وبذل الندى ، وكف الأذى" .

وقال الإمام أحمد رحمه الله : "هو أن لا تغضب ، ولا تحقد ، وأن تحتمل ما يكون من الناس ، مع بسط الوجه ، وكظم الغيظ لله ، وإظهار الطلاقة  والبشر للناس ، والعفو عن المخطئ ، وكف الأذى عن كل مسلم" .

أيها المسلمون: حسن الخلق يُمنٌ، وسوء الخلق شؤم، والخلق الحسن ينحصر في فعل المرء ما يجمله ويزينه، واجتناب ما يدنسه ويشينه. قال بعض السلف: هو فعل الفرائض والفضائل، واجتناب منكرات الأخلاق والرذائل.

فأمره ربه بأن يعطي من حرمه وأن يصل من قطعه، وأن يعفو عمن ظلمه. ومن حسن خلقه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصل الرحم، ويحمل الكل، ويكسب المعدوم، ويقري الضيف، ويغيث ذا الحاجة الملهوف  ، و يعين على نوائب الدهر .

ألا فاتقوا الله أيها الناس ، واستمسكوا بالأخلاق الفاضلة ، وتعوذوا بالله من سيء الأخلاق فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم «اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق».

الخطبة الثانية

لقد أثنى الله سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. فلم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشاً ، ولا لعاناً ولا سباباً ، وكان من أحسن الناس وجهاً ، وأطيبهم خلقاً .

قال عنه أنس بن مالك – رضي الله عنه : والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته ،لم فعلت كذا وكذا ، أو لشيء تركته ، هلا فعلت كذا وكذا .

وقال عبد الله بن الحارث – رضي الله عنه (ما رأيت أحد أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ).

وقال جرير بن عبد الله– رضي الله عنه (ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا ضحك) .

كان صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في باب الأخلاق ، والقدوة العضمى في باب الآداب

تراه إذا ما جئته متهللاً *** كأنك تعطيه الذي أنت سائله

كان شديد الملاطفة لأهله ، يخصف نعله ، ويرقع ثوبه ، ويحلب الشاة ، ويركب الحمار ، ويأكل مع الخادم ، ويجالس المساكين ، ويمشي مع الأرملة واليتيم . وكان صلى الله عليه وسلم يبدأ من لقيه بالسلام ، ويجيب دعوة من دعاه ، هين المؤونة ، لين العريكة ، كريم الطبع ، جميل المعاشرة ، طلق الوجه ، بساما متواضعاً من غير ذلة ، جواداً من غير سرف ، رقيق القلب ، رحيماً بكل مسلم ، خافضاً جناحه للمؤمنين ، لين الجانب لهم ، يعود مريضهم ، ويشهد جنازتهم أيها المسلمون: من حسن الخلق بر الوالدين وصلة الأرحام، والتودد إليهم بوسائل الإكرام ، ومن حسن الخلق الإحسان إلى الجيران، وإيصال النفع إليهم، والعطف عليهم، والإحسان إليهم، ومعاشرتهم بطيب الوفاق ، وكريم الأخلاق، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره. ومن حسن الخلق إفشاء السلام على الخاص والعام، وطيب الكلام، وإطعام الطعام .

ومن حسن الخلق أن تسلم على أهل بيتك إذا دخلت عليهم، وهذه سنة مشهورة، وقد أصبحت عند الكثير من الناس اليوم مهجورة .

ومن حسن الخلق معاشرة الزوجة بالإكرام ،وبشاشة الوجه وطيب الكلام، قال صلى الله عليه وسلم : «خيركم خيركم لأهله؛ وأنا خيركم لأهلي».

ومن حسن الخلق معاشرة الناس بالحفاوة والوفاء، وترك التنكر لهم والجفاء، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وهكذا كان مجتمعنا إلى وقت قريب ، إلى أن تسلطت عليه أقلام مأجورة ، وأفلام مأزورة، وشاشات داعرة ، ومجلات عاهرة ، جعلت المعروف منكراً ، والمنكر معروفاً ، والصدق بلاهة ، والكذب دبلوماسية ، والوفاء خور ، والخيانة كياسة ، والتدين رجعية ، والمجون تقدم ، والتمسك بالقيم انغلاق ، والخروج عليها حضارة ، فزعزعت كيانه ، وغيرت ثوابته ، وفرقت جمعه ، ومزقت شمله ، أصبح هم الشاب مطعمه ومشربه ، والنظر في عطفيه ، وتشجيع فريقه ، وإشباع شهوته ، غيبت عنه غايات سامية  ، وأهداف عالية ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ وعظمت في نفسه قدوات هابطة ، ونسي سلف الأمة ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾.