واجب التربية

واجب التربية

20 / 12 / 1423 هـ ( ج )

عباد الله : إن الله تعالى قد من علينا وهدانا لأفضل الأديان، وأفضل الكتب، وأفضل الرسل، وسهل علينا أمر ديننا، وصان لنا كرامتنا، وجعل لكل من الرجل والمرأة، دوراً يقوم به في الحياة، وهيئة يتميز بها في المجتمع، وزياً يتزيا به بين الناس، كتب لهم به العفة والرفعة، والحشمة والكرامة والسعادة، في الدنيا والآخرة، فمن خرج عن دائرة المشروع له، إلى ما لم يشرع، فقد ضل السبيل، واستحق العذاب الوبيل، كما في الصحيحين من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال «لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال» .

عباد الله : كلنا يعلم ما أصاب الكثير من المسلمين اليوم ! وبخاصة الشباب منهم، من تخلف وتهاون وتقصير، في جميع شرائع الدين، الظاهرة والباطنة، فمن أين أتى هذا التقصير ؟ وكيف حدث ؟ هل خلق في الأرحام مع مواليد هذا العصر ؟ أم أنه حدث من سوء رعاية وولاية ؟ والجواب في حديث من لا ينطق عن الهوى، محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول «ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه» فهذا الخلل الذي حدث للجيل الناشئ، وإن كان من عوامل كثيرة، إلا أن عامله الأكبر : سوء رعاية المسئولين عنهم، أهملوهم في البيوت في الصغر، فلم يأخذوا على أيديهم، ولم يؤطروهم على الحق، وتساهلوا معهم في الكبر، فلم يأمروهم أمر إلزام، ولم ينهوهم نهي ردع، إلى أن قست قلوبهم، وعميت أبصارهم، وصمت آذانهم . تلقتهم وسائل الإعلام بقضها وقضيضها، وأجلبت عليهم بخيلها ورجلها، فزهدتهم في التدين، وشككتهم في المعتقد، وحببت إليهم الغرب وتقاليده، وشوهت الإسلام وتعاليمه، أوحت لهم بأن الدين رجعية، وأن الإسلام إرهاب، وأن تقليد الغرب تقدم، وأن الميوعة حضارة، وأن الخروج على القيم حرية . حتى خفيت معالم الحق على كثير من المسلمين، ومضت سهام الفتن في الإضلال، وبرزت بوارق الشهوات، واستحكمت كثير من الشبهات .

عباد الله : ومما يزيد الأمر خطورة، أو هو الخطورة بعينها، أن كثيراً من الرجال تساهلوا مع نسائهم، فلم يقسروهن على الحشمة والحياء، والستر والعفاف، ولم يمنعوهن من التبرج والسفور، وتركوا لهن الأبواب مشرعة، ليخرجن إلى الأسواق في أي زينة، وإلى أي مكان، ومع من تشاء ! فلماذا يا مسلمون ؟ أليس هذا حراماً وإجراما، وذنباً عظيما ؟ أتأمنون عليهن الفتنة والفساد ؟ وهن ناقصات العقل والدين ؟ وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما» فلماذا يا مسلمون ؟ وأنتم الرجال القوامون عليهن ؟ والملزمون بمطعمهن وملبسهن ومسكنهن ؟ والمأمورون بتعليمهن الخير، وإلزامهن طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ؟ ألستم مسؤولون عنهن عند من لا تخفى عليه خافية ؟ «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» . ألستم مؤمنون مسلمون ؟ راضون بالله رباً، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً نبيا ؟ ولكن لكل شيء حقيقة، وحقيقة إسلام العبد : الأخذُ بأوامر هذا الدين، ودعوةُ الأهل والأولاد إلى التمسك بذلك، والانتهاءُ عن نواهيه، وأمرُ الأهل والأولاد بالانتهاء عنها، وربنا جل جلاله، يأمر أطهر النساء وأزكاهن، وأبرهن وأتقاهن، أمهات المؤمنين، ونساء سيد الأولين والآخرين، بالقرار في البيوت، وألا يخرجن متجملات أو متطيبات ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾ ولكي يهيئ الإسلام للبيت جوه، وييسر للناشئة فيه الرعاية، أوجب على الرجل النفقة، كي يتاح للأم من الوقت والجهد، ومن هدوء البال، ما تُشرف به على ذريتها، فحقيقة البيت لا توجد إلا أن تخلقها امرأة، وأرج البيت لا يفوح إلا أن تطلقه زوجة، وحنان البيت لا يشيع إلا أن تتولاه أم .

وإن خروج المرأة لتعمل، كارثة قد تبيحها الضرورة، أما أن يتطوع بها الناس، وهم قادرون على اجتنابها، فتلك هي المصيبة التي تَحل بالضمائر والعقول، في عصر الانتكاسة والشرور .

فتداركوا رحمكم الله ما فات بما بقي، وتفقدوا رعيتكم، راجعين بهم إلى الصواب، قبل أن تعصف بالقلوب الفتن، ويتعذر الإدراك، ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾ .

الخطبة الثانية :

عباد الله : لقد كان الصحابة رضي الله عنهم، يسدون النوافذ وثقوب الجدران، لئلا تطّلع منها النساء على الرجال، أو الرجال على النساء، فأين نحن اليوم من هذا ؟ والنساء المسلمات في الأسواق متروكات، ولكل ذئب فريسات، تشبه بالكافرات، وزينة لا تشترى للحياة الزوجية، بل للحفلات والزيارات !!

ولقد كان النساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يخرجن للصلاة، غير ممنوعات شرعاً، فكانت المرأة تخرج متلفعة لا يعرفها أحد، ولا يبرز من مفاتنها شيء، ومع ذلك كرهت عائشة رضي الله عنها، أن يخرجن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في ( خ م ) أنها قالت : لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء، لمنعهن من المساجد، كما منعت بني إسرائيل . فماذا أحدث النساء في حياة عائشة ؟ وماذا كان يمكن أن يحدث لهن، في جيل الصحابة والتابعين ؟ وماذا كان يمكن أن يُحدثن حتى ترى عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان سيمنعهن من الخروج الصلاة ؟ وماذا لو قسنا ذلك على ما نراه في زماننا هذا ؟ والرجال غير الرجال ! والنساء غير النساء ! والحال غير الحال !؟ في عصر تهيج فيه الفتن، وتثور فيه الشهوات، وترف فيه الأطماع .

فاتقوا الله عباد الله، في أبنائكم وبناتكم، وما ائتمنتم عليه، وقوموا بواجبكم نحو خالقكم ودينكم، وأنفسكم وأهليكم، وأولادكم وأمتكم، وكونوا سبباً في تثبيت عرى الإسلام في الأرض، ولا تكونوا سبباً في نقضها، فالإسلام دينكم ومجدكم، وعزكم وفخركم وشعاركم، ولا خير فيمن هدم دينه ومجده، وعزه وفخره وشعاره، فارفعوا لواءه عالياً بما أوتيتم من علم وقوة، وبيان وحكمة، وأعدوا أولادكم لرفع لوائه بعدكم، والله لا يضيع عمل عامل منكم، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء .

اللهم اهدنا وذرياتنا سبيلك، ووفقنا لخدمة دينك، وعاملنا بغفرانك، وفقهنا في دينك، وأعذنا من الشيطان الرجيم، برحمتك يا أرحم الراحمين .