أهمية الدعوة إلى الله

بسم الله الرحمن الرحيم

أهمية الدعوة إلى الله

الحمد لله الذي أوجد الإنسان من العدم ، وسخر له العوالم بما فيها من وافر النعم ، خلقه لغاية سامية ، وبوأه منزلة عالية ، وأرسل إليه الرسل تدعوه إلى الله ، ترشده وتهديه ، وأنزل عليه الكتب بشرع الله وما يحبه ويرتضيه ، وتعاقبت الرسل على الأمم ﴿رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ وكان خاتم الرسل لخاتمة الأمم ، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم  بعثه بالهدى ودين الحق ،ليظهره على الدين كله ، أرسله شاهداً ومبشراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً .

وتم وعد الله ، فأشرقت شمس الهدى على ربوع الجزيرة ، ودخل الناس في دين الله أفواجا ، وعبد الله وحده . وفي يوم الحج الأكبر امتن المولى على الأمة ، وكرم رسوله صلى الله عليه وسلم ، بما أنزل عليه ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً﴾ . فكان لابد لهذا الدين الذي كمل من عناية ، ولتلك النعمة التي تمت من رعاية ، ولهذا الإسلام الذي ارتضاه الله من تمسك وحماية ، ولا يكون ذلك إلا بقيام دعاة إلى الله تعالى .

 فحمل الله الأمة مسؤولية ذلك ، تتعهد كمال الدين ، أن يعتريه النقص ، أو تلتصق به الزيادة ، وترعى تمام النعمة عليها ؛لتدوم لها الحياة السعيدة ، ويطبقون الإسلام الذي رضيه الله لهم في جميع شؤونهم ، عبادات ومعاملات ، أفراداً وجماعات ، حكاماً ومحكومين ؛ لتدوم لهم العزة والسيادة .

فالأمة هي التي تتولى مسئوليتها بنفسها ، بعد أن بلغ الرسول الرسالة ، وأدى الأمانة ، وأشهدهم على ذلك ، وأشهد الله عليهم ، فأمرهم بالبلاغ عنه «بلغوا عني ولو آية» «نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها ، فأداها كما سمعها ، فرب حامل فقه لمن هو أفقه منه ، ورب مبلغ أوعى من سامع» .

فحمل خلفاؤه من بعده الأمانة ، وواصلوا السير بالدعوة على ما كان عليه صلى الله عليه وسلم ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ ، ففتحت البلاد ، ومصرت الأمصار ، ووصل الإسلام مشارق الأرض ومغاربها ، في ركاب الدعاة إلى الله ، سواء كان بالكلمة الطيبة ، أو بالموعظة الحسنة ، أو بالقدوة والتأسي بالمسلمين الوافدين إليها ، في صدق الحديث ، ووفاء العهد ، وأداء الأمانة ، وحسن التعامل ، وعدالة الحكم ، والتآخي والمساواة بين الناس ، والتراحم والتعاطف ، وجميع مظاهر مكارم الأخلاق .

 وقد كان المسلمون دعاة قبل أن يكونوا غزاة ، فتوسعت رقعة الإسلام ، وتزايد عدد المسلمين ، ودخلت أقطار عديدة في الإسلام ، من غير جهاد ولا قتال .

وظلت الدعوة قروناً ماضية في مسيرتها ، إلى أن طال الأمد ، وضعف الوازع ، وفتر الدعاة ، وظهرت دواعي الهوى ، وتغلبت حظوظ الأنفس ، وتداخلت العادات والتقاليد ، وظهر ما حذر منه صلى الله عليه وسلم : «شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه» فانفرط عقد الوحدة الإسلامية ، وتحزب المسلمون ، وتقسمت أقطار الإسلام ، وضيعت الدعوة إلى الله ، وصار الجهاد سياسة وتسلطاً وملكا ، واشتغل كل بنفسه ؛ فتعطلت الحدود ، ونحي الإسلام عن مناهج الحياة ؛ فظهرت الفتن ، ووقعت الفوضى ، فطمع فيهم العدو، وغزاهم في بلادهم ، وغير مناهج حياتهم ، من رأسمالية ظالمة ، وشيوعية غاشمة ، ردحاً من الزمن ، حتى لم يبق من الإسلام في بعض البلاد إلا اسمه .

واليوم وقد انكشف عنهم هذا الكابوس ، وتنفست الأمة الصعداء ، تحت شعار الاستقلالية والحرية ، إلا أنه لم تزل آثار الماضي في حياتهم ، يتمسك بها الذين نشأوا في عهد المستعمرين ، زاعمين أنهم بها متحضرون متمدنون ، يصدق على الكثيرين منهم ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً

    يقضى على المرء في أيام محنته *** حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن

وبهذا تحتمت ضرورة الدعوة إلى الله ؛ لإصلاح ما أفسده أعداء الإسلام ، وقد قال إمام دار الهجرة الإمام مالك رحمه الله : لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها . وفي طريقته  صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله خير قدوة ، وأكمل منهج ؛ حيث مكث صلى الله عليه وسلم سنوات يدعو الناس إلى التوحيد ، وينهاهم عن الشرك ، قبل أن يأمرهم بالصلاة والزكاة ، والصوم والحج ، وقبل أن ينهاهم عن الربا والزنا ، والسرقة وسماع الغنا. فالأصل الأصيل هو تحقيق العبودية لله رب العالمين ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ ولا يكون ذلك إلا بمعرفة التوحيد علما وعملا ، واقعا وجهادا.

 عباد الله :  إن التوحيد منطلق الدعوة إلى الله وغايتها ، فلا دعوة إلى الله بدونه ،مهما تسمت باسم من أسماء الإسلام ، وانتسبت إليه ، وذلك أن الرسل جميعاً ، وعلى رأسهم سيدهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم كانت دعوتهم إلى التوحيد بدءاً وغاية ونهاية ، ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ وهكذا جميع رسل الله دعوا إلى عبادته وحده ، والتبرؤ من عبادة ما سواه ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾  فهذه هي غاية المسلم العليا ، وهدفه الأسمى ، الذي يسعى عمره ، باذلاً جهده ؛ لإيجادها بين الناس ، وتوطيدها بين الخلق .

فالله أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ....الخ

الحمد لله :

عباد الله :

إن المجتمع البشري اليوم ، تتجاذبه موجات إلحاد ، وعواصف تبشير ، يفتح أمامه دعاة الشر والفساد سبلاً جائرة ، عن الحق حائدة ، وللصواب مجانبة . ولئن كانت الأمة محتاجة إلى  الدعوة إلى الله في كل وقت ، كاحتياجها إلى الماء والهواء ؛ فإنها اليوم ، أحوج ما تكون إلى ذلك ؛ فمن حائر يحتاج إلى بيان ، ومن غافل يحتاج إلى تنبيه ، ومن معاند يحتاج إلى مجادلة بالتي هي أحسن .

وإن أفضل وسيلة لإنقاذ الأمة ، وأجل صفة ، تلحق المؤمن بركب الأنبياء ، وتحله مكانة عالية في عالم السعداء : هي الدعوة إلى الله تعالى ، على هدى وبصيرة ، دعوة يزينها عمل صالح ، وقول صادق ، ونية حسنة ، وإعلان للعقيدة ، مهما تغيرت الأحوال ، وقست الظروف ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ﴾.

فيا ورثة الأنبياء ، ويا خلفاء الله في أرضه ، ويا أمناءه على تبليغ رسالة نبيه : إن داعي الخير قد دعاكم ؛ لإنقاذ البشرية ، بدعوتها إلى الفضيلة ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ...﴾ وما قبل الدين سلفاً ، إلا بالدعوة إليه ، وإظهاره للأمة في أبهى صورة ، وأروع منظر .

  فاتقوا الله : واستجيبوا لما دعاكم له ، بدعوة الناس إلى التمسك بتعاليم الدين ، دعوة ملؤها الإخلاص ، وحب هداية الآخرين «لأن يهدي الله بك رجلاً واحدا ، خير لك من حمر النعم» دعوة متمشية مع قوله سبحانه ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ﴾ شعارها : قول صادق ، وعمل مخلص ، وبصيرة نيرة ، على ما كان عليه سلفها الصالح ، حسب حال الداعي والمدعو ، كمخاطبة الجاحد والمعاند على ضوء ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ .

ثم ليعلم يا عباد الله : أن الدعوة إلى الله ليست مقصورة على خطبة أو كلمة ، أو درس أو محاضرة ، ولكنها تربية وتعليم ، وتخطيط وتنظيم ، وأمر ونهي ، وبيان وتنبيه ، ومجادلة بالتي هي أحسن ، وطرق لكل باب ، وتسخير لكل وسيلة ، من إذاعة وصحافة ، ومنبر ومدرسة ، ومنزل ومجلة ، بدءاً بالأهم فالمهم «إنك تأتي قوماً أهل كتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله» . قرأ الحسن البصري – رحمه الله – ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ ...﴾ فقال : هذا حبيب الله ، هذا ولي الله ، هذا صفوة الله ، هذا خيرة الله ، هذا أحب أهل الأرض إلى الله أ.هـ

فاللهم اجعلنا ممن يهدون بالحق وبه يعدلون ، وهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ، واجعلنا للمتقين إماما .......