الواقع المؤلم وعلاجه

بسم الله الرحمن الرحيم

الواقع المؤلم وعلاجه

الحمد لله

عباد الله : إن معرفة السبيل القويم، وسلوكه بصدق، يعني : الفلاح في الدنيا والآخرة.  وإن معرفة السبيل المستقيم، واتباعه بإخلاص، يعني : القضاء على هذه الفتن، التي نشبت في هذه الأمة، فأوهت قواها، ومزقت أشلاءها، وفرقت صفوفها، وجعلت أعداء الله يتطاولون عليها، ويدوسون كرامتها.

وإن توحيد هذه الأمة – الذي هو قوامها، ولن تفلح دونه – لن يتم برأي مفكر، أو بتنظيم مدبر. وإنما يتم، بمعرفة السبيل الصحيح : سبيل الكتاب والسنة على منهج سلف هذه الأمة، وعندئذ ؛ نبشر بوحدة قوية، ومسيرة موجهة، وصحوة مباركة، وثمرات يانعة ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ ليكون : طريق رشد، ونبراس نور، يضيء لنا طريق الهدى، ويبين لنا طريق الخلاص، في خضم هذه الفتن الهائجة، والخطوب المدلهمة، في زمن فشا فيه الجهل، وقل العلم، وكثر القيل والقال، وصدق فينا قول نبينا   : «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا، ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا ؟ فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا».

وإن مما تجدر الإشارة إليه ؛ أن المسلمين، قد فقدوا الشيء الكثير من معالم دينهم، وسبيل نجاتهم، وإن من أهم ما فقدوه – إلا من رحم الله – قواعد معرفة الحق.

فقد أحلوا مكان البينة التزيين، وقدموا آراء الرجال على الدليل، واتبعوا الهوى بدلا من الهدى،واستبدلوا بالبصيرة العاطفة، وجعلوا الفكر محل الاتباع، واشتروا بكتاب الله عز وجل، وسنة رسوله   فكراً وتجديدا، ﴿وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ حتى صار العالم عند كثير منهم، من ابتدع وفكر، وعن سنة رسول الله أعرض وأدبر، وبالمشركين اقتدى وتمسك ! وبالغربيين استن واستمسك !! ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾ ؟

والمتبع عندهم لسنة رسول الله وصحابته الكرام، جامد العقل، قليل الفقه، سطحي التفكير.  

عباد الله : لا يخفى على العاقل ما يعانيه عالمنا الإسلامي، في بلاد كثيرة، فساد في العقيدة والمنهج،ركام من الأوهام، انحرافات في الأخلاق، ضياع للحقوق والممتلكات، تخلف في كافة مجالات الحياة، السياسية والاقتصادية، فضلا عن كيد أعداء الله – في الداخل والخارج - وتربصهم بالمؤمنين، ونصب الشباك لهم، حتى غدا بمن يمثله مهاناً على رؤوس الأشهاد، ودمية يحركها الأوغاد، كل ذلك على حين غفلة من الصالحين، وعجز من المصلحين.

حتى صدق فينا تشبيه نبينا  : «يوشك أن تداعى عليكم الأمم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها» ومما زاد الطين بلة، والأمر تعقيدا، ما يعانيه المسلمون المتمسكون أنفسهم، من تفرق بين جماعتهم، واضطراب في مناهجهم، بل وتمزق في صفوفهم، وتناحر بينهم، حتى غدوا يتقاذفون التهم، ويتبادلون التضليل، الأمر الذي شغلهم عن تربية أجيالهم، وإعداد أنفسهم، ورد كيد أعدائهم، والتنبه لما يحاك لهم، من مكر وخديعة، كيما يكونوا أضعف الأمم  وأذلها...فهؤلاء اليهود والنصارى، ليس لديهم مبدأ يناقش، اللهم إلا الدرهم والفرج،وحسبك بهذين المبدأين دينا لهم،وأساسا لمجتمعهم، وسيأتيهم – بإذن الله - ما أتى إخوانهم من الشيوعيين من قبلهم، ذاقوا وبال أمرهم، وكان عاقبة أمرهم خسرا وذلا، وفشلا واندحارا. يقصفون مدنا كاملة بأهلها، ويمدون دولا ظالمة، لتعتدي على دول مستضعفة مظلومة، باسم العدل،ومجلس الظلم، والقضاء على الإرهاب. ثم إذا أصيب أحد أفراد شعوبهم بمكروه، أقاموا الدنيا وما أقعدوها، باسم الإنسانية، وبدعوى حقوق الإنسان !!

قتل امرئ في غابة *** جريمة لا تغتفر

وقتل شعب آمـن *** قضية فيها نظر

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه : متى يدرك المسلمون إسلامهم ؟ ويعملون به ؟ ومتى يصبح المسلمون صادقين مع ربهم ؟ متمسكين بدينهم ؟ مقتدين بنبيهم ؟ على فهم سلفهم؟

نعم إنه لا يوجد سوى الإسلام، لإنقاذ البشرية من حمأتها، وإنقاذ الناس من غيهم، ولكن أين المسلمون ؟؟؟

إن ماهية الداء، وحقيقة المشكلة، التي غفل عنها الكثير، تكمن في : أننا نتحدث عن أعدائنا، أكثر من تحدثنا عن أنفسنا ! ونسعى لمداواة الكفار قبل مداواة أنفسنا ! ونضع حلولا لهذه الأمة من بنيات أفكارنا، ومن ردود فعل عواطفنا ! بل ربما من أفكار أعدائنا !! كأن ليس لنا طبيب ! وليس لنا قدوة ! وليس لنا منهج ودين !!!

وإننا نتحدث عن الإسلام وفضائله، وننسى الحديث عمن سيحمل هذا الإسلام، ويقوم بأمره. حتى إذا ما حانت الفرصة، وسنح الوقت، وجدنا : إسلاما بلا مسلمين حقا ! وشعارات بلا عاملين صدقا !

فمعالجة قضايا المسلمين، والعمل لإعادة بنائهم، وتهيئتهم لدورهم الواجب عليهم، والمرتقب عن قريب – بعون الله – إنما يكون منهم وفيهم وبهم، وذلك بتصحيح عقائدهم، وتقوية إيمانهم، وإصلاح عباداتهم، وتقويم مناهجهم، وتسديد أقوالهم، ورجوعهم إلى ربهم، كيما يصلح حالهم ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾  وقال صلى الله عليه سلم : «.... سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم».

الحمد لله

عباد الله :  لما ضرب الكفار على المسلمين في غزوة الأحزاب، ذلك الحصار العسكري العظيم، المذكور في قوله تعالى : ﴿إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً

كان علاج هذا الضعف والحصار : توحيد  الله وقوة اليقين به. قال تعالى : ﴿وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً﴾  فكان من نتائج ذلك ما ذكره سبحانه بقوله : ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِياً عَزِيزاً (25) وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً﴾.

فالحل الأسلم، والطريق الأمثل، والسبيل الأقوم لصلاح حالنا، والنجاة مما حل بنا،هو : معالجة أمراضنا،  ثم يفتح الله عز وجل بما يشاء ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾  ﴿فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ

وقد يقول قائل : هل يعتقد إنسان بعد المصائب التي حلت بالأمة، والأمراض التي تفشت فيها، أنه من الممكن لهذا المريض أن يشفى ؟ ولهذا العليل أن ينهض ؟ ثم أليس في طرح مثل هذا الموضوع ؛ تيئيس للعباد، وشماتة للأعداء ؟

فأقول : بلى – وربي – سيشفى المريض، ويزول الشر، ويظهر الخير، ويعم الإسلام أنحاء الأرض قاطبة. كيف لا يشفى، ووعد الله حق ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ وهذا مشروط بشرط، أن نقوم بالإسلام صدقا وعدلا ﴿يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ وأن نعمل صادقين موقنين ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ﴾، وقال صلى الله عليه وسلم : «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر».

والغريب في شأن هذه الأمة، أنها ما تكاد تُفِيْقُ من مصيبة، وتقف على قدميها، إلا ويأتيها ما يرقق الأولى : عدو خارجي، متعصب همجي، وعدو داخلي هو أخطر من صاحبه  ، خبيث ماكر، لئيم فاجر، يتربص بهذه الأمة الدوائر، وكان الأعداء والذين في قلوبهم في كل هجمة يظنون  : أنها القاضية.. ويأبى الله إلا أن تبقى هذه الأمة ما تمسكت بدينها منصورة ﴿وَمَا كَيْدُ الكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ﴾.