قضية فلسطين

بسم الله الرحمن الرحيم

قضية فلسطين

الحمد لله

عباد الله : إنه أمر مؤلم وحدث مفزع لكنه ليس الأول في عصر الإهانات ، ليس الأول في عصر الخيانات ، ولن يكون الأخير ما دامت أمة الإسلام غارقة في تبعيتها لأعدائها ! إلى متى تستمر عملية التجهيل المتعمد لهذه الأمة ، إلى متى تغطى سوءات الأعداء ؟ ومن المسئول عن سيلان الدماء ؟ وعن أنين الشهداء ؟ من الذي سيوقف هذه المهازل ، ومن سيضمد جراح المصابين برصاص الحقد اليهودي الغادر ؟؟ من يصدق يا عباد الله : فئام قليلة من إخوة القردة والخنازير ، يسومون أمة تزيد على الألف مليون سوء العذاب !

نعم إنه يجب أن يعلم ويقال بصراحة : إن هذه الأمة لم تمكن أصلا من مواجهة اليهود ، ولم يمكن كثير من الذين تسيل دموعهم شوقا إلى الجهاد في سبيل الله ، لم يمكنوا من إظهار حقيقة جبن اليهود وأعوانهم ، لابد للأمة أن تعلم أن الهزائم المتكررة المعاصرة على يد اليهود ، كانت هزائم أنظمة وليست هزائم شعوب ، كانت هزائم لرايات جاهلية ، ولم تكن الرايات في يوم من الأيام رايات إسلامية ، وإذا علم السبب بطل العجب !.

عباد الله : أن دولة اليهود اليوم تمارس أنواعا من الاستفزاز ، لجميع المسلمين ، على مرأى ومسمع من العالم كله ، وبمباركة من دولة الصليب (أمريكا) .

عباد الله : لقد أنزل الله القرآن مفصلا مبينا لما جبل عليه اليهود من كفر وعناد ، ولؤم وخسة ، وغدر وخيانة ، للمواثيق والعهود ، مما جعلهم ممقوتين ملعونين ، مغضوبا عليهم ، فلا تجد في كتاب الله تعالى أمة طال الحديث عنها كهذه الأمة الخبيثة ، فضح الله خبايا نفوسها ، وخبث طواياها ، وعداوتها للعالمين أجمعين ، وحقدها خاصة على أهل الحق ، في كل زمان ومكان ، فباؤا بغضب على غضب ، واعنوا على لسان محمد كما لعنوا على لسان داود وعيسى عليهم السلام . وإن مما ذكره الله في القرآن أن اليهود ضربت عليهم الذلة أينما وجدوا إلا إذا مد إليهم حبل المساعدة بعض الخونة من أمثالهم ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ﴾ ومن المعلوم أن اليهود شرذمة قليلون ، ولكنهم لنا لغائظون ، فمن الذي مد إليهم هذا الحبل ؟ إنهم إخوانهم في دولة الصليب (أمريكا) ، النصارى ، الذين هم صهاينة أكثر من الصهاينة ، ويهود أكثر من اليهود ، ومع ذلك هم قادة النظام الدولي الجديد ، وسادة العالم ، فهم يلبسون جلود النصارى على قلوب اليهود ، ويجتهدون لإطفاء نور الله تبارك وتعالى ، وإخلاف وعده ، ورفع ما خفض الله ، وخفض ما رفع الله ، وإعزاز من أذل الله ، وإذلال من أعز الله ، ينصرون التلمود على القرآن ، ويعاونون قتلة الأنبياء على ورثة الرسالات ، وللأسف سار في ركابهم من المنتسبين إلى الإسلام ، يهود من يهود العرب ، أذناب عميلة ، وفئام ذليلة ، انسلخت من دينها ، وكفرت بوعد ربها ، وكذبت خبر نبيها ، استحوذ عليها حب الدنيا ، فتجدهم أحرص الناس على المصالح الدنيوية ولو تحت أقدام اليهود ، نسأل الله العافية .

هذا وقد بين لنا ربنا جل وعلا تباغض اليهود والنصارى وتعاندهم وتعاديهم فيما بينهم ! – ولكنهم يتحدون ويتعاونون إذا كان ذلك في مواجهة عدو الجميع الإسلام - ﴿وَقَالَتِ اليَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ اليَهُودُ عَلَى شَيءٍ

لقد تقرحت أكباد الصالحين كمداً مما يجري الآن في الأرض المباركة.

فلسطين : أرض القدس ، وأولى القبلتين ، وفيها الأقصى مسرى نبينا .

فلسطين : الأرض المباركة ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ….﴾ ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القُرَى الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً﴾ قال ابن عباس : القرى التي باركنا فيها هي بيت المقدس

فلسطين : الأرض المقدسة ﴿يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ .

فلسطين : مصرع الدجال ومقتله ؛ حيث يلقاه عيسى عليه السلام عند باب لد فيذوب كما يذوب الملح في الماء ، فيقول له : إن لي فيك ضربة لن تفوتني ، فيضربه فيقتله .

إنها فلسطين : أرض الأنبياء والمرسلين ، على أرضها عاش : إبراهيم و إسحاق و يعقوب ويوسف ولوط وداود وسليمان وصالح وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام ، وغيرهم الكثير ممن لم تذكر أسماؤهم من أنبياء بني إسرائيل .

فلسطين : موطن الكثير من صحابة رسول الله منهم : عبادة بن الصامت ، وشداد بن أوس ، وأسامة بن زيد ، وواثلة بن الأسقع ، وفيروز الديلمي ، ودحية الكلبي ، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم .

فلسطين : بلد الآلاف من أعلام الأمة وعلمائها ، الذين أضاؤوا في سمائها بدورا ، ولمعوا فيها نجوما ، ومنهم : مالك بن دينار ، والأوزاعي ، وابن شهاب الزهري ، والشافعي ، وسفيان الثوري ، وابن قدامة المقدسي ، وغيرهم .

نعم هذه فلسطين بتاريخها وفضلها ، بخيراتها وبركاتها ، بشموخها وكبريائها .

هذي فلسطين يا من ليس يعرفها كأن أحجارها القدسية الشهب

فلسطين يا عباد الله : ما أحببناها لترابها ! ولا لجبالها ! ولكن لفضلها وبركتها ومكانتها في ديننا الحنيف .

فمن أجلها شد الأبطال عزائمهم ، وأسرجوا خيولهم ، وطاروا يسابقون الريح . حتى سجل التاريخ مواقف عظيمة ، لأبطال عظماء ، هبوا دفاعاً عنها ، ولم يبخلوا بغال ولا نفيس .

من أجل فلسطين : أراق الشهداء دماءهم ، وبذلوا أرواحهم .

 من أجل فلسطين : سار عمر بن الخطاب رضي الله عنه على بعير ، يعتقب عليه هو وغلام له

من أجل فلسطين : امتنع نور الدين زنكي عن التبسم وقال : أستحي من الله أن أتبسم وبيت المقدس في الأسر !

من أجل فلسطين : شمخ صلاح الدين برأسه وشحذ سيفه وأعد عدته ، ليخرج الصليبيين من أرض الأقصى .

من أجل فلسطين : جرد الملك مظفر قطز سلاحه ، ووقف على عين جالوت ؛ ليصد عن فلسطين ومصر طوفان التتار الهادر .

من أجل فلسطين : انتفض أبناء الحجارة ، يحملون حصى أرضهم وترابها ؛ ليرموا بها وجوه الدخلاء الغاصبين . لقد نطقت الحجارة حين أخرست المدافع ، ووقعوا بدمائهم ميلاد جيل جديد ، لا يؤمن بالخوف ولا يعترف بالعجز ، ولا يرضى بالهوان .

فيا جيا المصاحف ، يا خمير الأرض يا طلق الولادة ، ها إن اليهود تجمعوا ها إنهم حشدوا لنا ، فاقرأ على تلك الرؤوس الزلزلة ، اقرأ علينا ما تيسر باسم ربك يا بلال ، اقرأ علينا المؤمنون ، وشد قوسك ، إن قوسك لا تطيش بها النبال .

واليوم يا عباد الله : نتخاذل حتى نغزى في عقر دارنا ، وتستباح أموالنا ونساؤنا !

أتسبى المسلمات بكل أرض *** وعيش المسلمين إذن يطيب

أما لله والإســلام حــق *** يدافع عنه شـبان وشيب

فقل لذوي البصائر حيث كانوا *** أجيبوا الله ويحكم أجيبوا

وما زال الصراخ والنحيب يتعالى وما من مجيب ! الملايين على الجوع تنام ، وعلى الصمت تنام ، واستغاثات اليتامى في الظلام ، آه لو يجدي الكلام ، آه لو يجدي الكلام ، هذه الأمة نائمة والسلام !!!!.

عباد الله :

هل ستبقى الأوضاع سائرة على وفق المخطط اليهودي ؟ في تأسيس مملكتهم العالمية ؟ لا شك ولا ريب أن الجواب : لا ، دون أي تردد ؛ فقد أخبرنا نبينا كما في الصحيحين من حديث بمعركة فاصلة بيننا وبين اليهود فقال : «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ، فيقتلهم المسلمون ، حتى يختبأ اليهودي من وراء الحجر والشجر ، فيقول الحجر والشجر : يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله ، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود».

ولكن ما دام الناس على إعراضهم ، عن توحيد ربهم ، بمعناه الحقيقي ، فسيبقون أذلة لجميع المتحكمين فيهم ، من يهود وأعوانهم ، وأما في الوقت الذي تقوم فيه الأمة برفع لواء الإسلام ، وتعيد سيرته الأولى ، فإن جميع من أمامهم من يهود وأعوانهم ، لا يستحقون أكثر من وصف الجرذان ، فلا يخيف والله اليهود إلا العصبة المؤمنة ، الموحدة لربها ، التي تجدد مجد أمتها ، وتعيد تاريخها ، وما ذلك على الله بعزيز .

 إن أول خطوة لرفع الذل عن أنفسنا ، وعن إخواننا المسلمين هو أن نكون على بينة ، وأن يكون عندنا الوعي المطلوب المبني على شرع الله ، والفهم الصحيح المرتكز على سنة رسول الله ، لما يراد بنا أمة الإسلام .

ثانيا : نشر الوعي العقدي ، في الأمة قاطبة ، والعقيدة الصحيحة على كافة المستويات لا سيما توحيد العبادة ، وعقيدة الولاء والبراء ، وأن نعلنها معركة إسلامية ، وأن نعلم أن جميع ما يحصل مع ما إسرائيل فإنه لم يمثل فيه الإسلام ولم نسمع فيه : قال الله ، ولا قال رسول أو أن القدس إسلامية ! فهي قضية إسلامية لا تخص الفلسطينيين وحدهم ، ولا العرب وحدهم ، ولا المسلمين المعاصرين وحدهم ، بل هي قضية إسلامية تهم جميع المسلمين إلى قيام الساعة .

ثالثا : يجب توحيد صفوف أهل السنة والجماعة في جميع أنحاء العالم ، على منهج صحيح واضح ، ألا وهو منهج السلف الصالح ، النقي الخالي من الشوائب .

رابعا : التنبه الشديد لعداوة اليهود ، وأكذوبة السلام ، وإحياء الآيات والأحاديث التي تبين موقف المسلم من اليهود والنصارى وتبين خبثهم . وأن المعركة في فلسطين بيننا وبينهم ليست معركة غالب ومغلوب ، بل معركة عدم ووجود .

خامسا : يجب أن نبعث التفاؤل في الأمة ، وأن ذكرها بوعد ربها ، حتى لا يدب اليأس إلى قلوب الكثيرين . كما يجب علينا أن نفاعل الدعوة إلى الله في كل مكان ، وأن نرصد خطط الأعداء وحركات المتآمرين .

سادسا : الوقوف الحقيقي بكل قوة مع الشعب الفلسطيني المقهور المظلوم ، الذي صودرت حريته داخل أرضه ، وأن نمده إمدادا متواصلا ، بالدعوة إلى الله ، والكتب ، والمال ، وجميع المساعدات ، وكل ما يحتاجه في جهاده مع اليهود ، وأن نحرص على إبقائه شوكة في حلق اليهود في الأرض المحتلة ، وأن نسعى في زيادة عدده ، وهذا ما يفقد إسرائيل توازنها .

سابعا : أن العدو لا يرضخ إلا لمنطق القوة ، ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ﴾ وأن طاولة المفاوضات هي عنوان الاستسلام ، وتخدير الشعوب ، والأحداث الأخيرة تثبت أن للجماهير الإسلامية عاطفة جياشة ، لكنها مع الأسف في كثير من أحوالها بلا وعي ، وأن الثورة عند تهديد جدران المسجد الأقصى ، وما نشاهده اليوم ، يجب أن تكون أكبر عند تعطيل كتاب الله وسنة رسول الله ، ويجب أن تكون أكبر إذا أريق دم امرئ مسلم ، وعلى يد أي عدو مجرم ؛ فحرمة المسلم أكبر عند الله من حرمة بيته الحرام ، فضلاً عن الأقصى .

وهذه بعض الدروس والعبر من هذه الأحداث :

أولاً : أن جميع ما حدث ويحدث إنما هو بقدر الله الذي لا يرد ، وله فيه الحكمة البالغة ، مهما ادلهمت الخطوب ، وساءت الأحوال ، وسالت الدماء ، فستبقى – بإذن الله – رمزا للبطولة ، وشاهدا حياً على خيانة الخائن ، وجبن الجبان ، ونفاق المنافق . ومع هذا كله فإننا يا عباد الله : لن يهتز يقيننا بأن النصر للإسلام وأهله ، وأن كيد اليهود ومن وراءهم في ضلال ، ونحن متيقنون أن قدر الله تعالى لا شر فيه محضا ، وأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله ، وأنه ما من محنة أصابت أهل الإسلام إلا وهي متضمنة لمنحة إلهية كبرى ، ولو لم يكن فيما حدث ويحدث من نصرة للحق ، واستبانة لسبيل المجرمين إلا سقوط أقنعة الزيف والنفاق ، التي ظلت عقودا تظلل الأمة ، وتمتص قواها ، وتستأصل رايات الجهاد ، كل ذلك باسم قضية فلسطين

ثانياً : إن انتفاضة الشعب الفلسطيني تثبت أن في الأمة طاقات ، وإمكانات كبيرة تستطيع فعل الكثير إن أحسن استغلالها وتوجيهها ، وإن مدي العجز أمام التفوق الصهيوني مخدوعون وخادعون .