الغناء حكمه ومضاره

سم الله الرحمن الرحيم

الغناء

حكمه ومضاره

يعيش أهل الإسلام في ظل هذا الدين ، حياة شريفة كريمة، يجدون من خلالها حلاوة الإيمان، وبرد اليقين ، وأنس الطاعة، ولذة العبادة، وتقف تعاليم هذا الدين ، حصنًا منيعًا ، تصون الإنسان عن نزواته، وتحميه من شهواته، وتقضي على همومه وأحزانه، فكيف يبحث بعض المسلمين عن السعادة في غيره، وينشدون البهجة فيما سواه .

عباد الله : إن من مآسينا اليوم ، عكوف كثير من الناس ، على استماع آلات الملاهي والغناء، متعللين بعلل واهية، وشبه داحضة، وأقوال زائفة، يقوم على ترويجها قوم همهم اتباع الشهوات، واستماع المغنيات،وما نقل من الخلاف عن بعض أهل العلم ، فإنما هو في الغناء المجرد عن المعازف، أما غناء اليوم فقد حكى ابن الصلاح ، الإجماع على تحريمه ، حيث قال: "وأما إباحة هذا السماع وتحليله ، فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت ، فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين ، ولم يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله في الإجماع والاختلاف ، أنه أباح هذا السماع . ويقول ابن القيم: "فتوسع حزب الشيطان في ذلك ، إلى صوت امرأة جميلة أجنبية ،  أو صبي أمرد ، صوته فتنة ، وصورته فتنة ، يغني بما يدعو إلى الزنا والفجور ،  وشرب الخمور ، مع آلات اللهو التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث مع التصفيق والرقص ، وتلك الهيئة التي لا يستحلها أحد من أهل الأديان ، فضلاً عن أهل العلم والإيمان . قال رجل لابن عباس: ما تقول في الغناء ، أحلال هو أم حرام؟ فقال له: أرأيت الحق والباطل، إذا جاء يوم القيامة، فأين يكون الغناء؟ فقال الرجل: يكون مع الباطل، فقال له ابن عباس: اذهب فقد أفتيت نفسك.

قال ابن القيم: "فهذا جواب ابن عباس رضي الله عنهما ، عن غناء الأعراب الذي ليس فيه مدح الخمر والزنا واللواط، والتشبيه بالأجنبيات، وأصوات المعازف، والآلات المطربات ، فإن غناء القوم لم يكن فيه شيء من ذلك، ولو شاهدوا هذا الغناء ، لقالوا فيه أعظم قول ، فإن مضرته وفتنته ، فوق مضرة شرب الخمر بكثير ، وأعظم من فتنته . فمن أبطل الباطل أن تأتي الشريعة بإباحته، فمن قاس هذا على غناء القوم ، فقياسه من جنس قياس الربا على البيع ، والميتة على المذكاة ، والتحليل الملعون فاعله على النكاح...".

واستمعوا لقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً﴾.

قال محمد بن الحنفية: الزور هنا الغناء. وهو مُنبت النفاق.

قال ابن مسعود: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع.

وهو صوت الشيطان: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ﴾.

قال مجاهد: "وصوته: الغناء والباطل".

يقول عليه الصلاة والسلام: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف» أخرجه البخاري

عباد الله : إن الغناء أمر خطير ، ونذير شؤم على الجميع ، إذ به تتعرض الأمة لغضب ربها وسخطه ، وأليم عقابه ، كما قال صلى الله عليه وسلم، فيما رواه الترمذي من حديث عائشة: «ليكونن في أمتي  قذف ومسخ وخسف، قيل: يا رسول الله، ومتى ذلك؟ قال: إذا ظهرت المعازف وكثرت القيان وشرب الخمر».

أيها المسلمون: إن استماع الأغاني من أعظم مكائد الشيطان ، التي صاد بها قلوب الجاهلين، وصدهم بها عن سماع القرآن الكريم، وهو  مشتمل على كل مفسدة، موقع في كل مهلكة، صوت شيطاني، يتغلغل في القلوب، يثير كامنها، ويحرك ساكنها . فكم جرّع من غصة، وأزال من نعمة، وجلب من نقمة، قال ابن القيم: "فلعمر الله كم من حُرّة صارت بالغناء من البغايا، وكم من حر أصبح به عبداً للصبيان أو الصبايا..". الأغاني رائدة الفجور، وشَرَك الشيطان، ورقية الزنا .

أيها المسلمون: عجبًا من أمة تغني طربًا ، وهي أمة مثخنة بالجراح والدماء، مثقلة بتلال الجماجم والأشلاء، يُنال من كرامتها، ويُعتدى على أرضها وعرضها ومقدساتها ، وكأن لم يكن ثمّ حروب شديدة، ووقائع مبيدة، وقتال مستعر، وأمم من المسلمين تحتضر، تبدلت المفاهيم ، وتغيرت القيم ، وأصبح المعروف منكراً ، والمنكر معروفاً، ولقد كان الناس فيما مضى يستتر أحدهم بالمعصية ، ثم كثر الجهل، وقل العلم، وتناقص الأمر؛ حتى صار أحدهم يأتي المعصية جهاراً، ثم ازداد الأمر إدباراً ، حتى صارت هذه المعاصي مبعثاً للتفاخر والتباهي، وسبيلاً إلى التقديم والثناء. وأصبح اللاهون والفاسقون هم قدوة الأمة ، وعنوان مجدها، وهم نجومها وسفراؤها. فكيف يتسنى لأمة هذا حالها ، أن تبني مجدا، أو تستعيد عزا، أو تدفع عن نفسها عدوا ؟

الخطبة الثانية

فيا من ابتلي بحب الغناء ، لماذا نراك عند سماعه ، وقد تفجرت ينابيع الوجد من قلبك ،على عينيك فجرَتْ، وعلى أقدامك فرقصت، وعلى يديك فصفقت، وعلى أنفاسك فتصاعدت، وعلى زفراتك فتزايدت، وعلى نيران أشواقك فاشتعلت ، وعلى سائر أعضائك فاهتزت وطربت ، أما علمت أن حب القرآن وحب الغناء ، في قلب مؤمن لا يجتمعان ، فلماذا تختار مزمار الشيطان ، وتقدمه على كتاب الرحمن؟ أتستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!

حب الكتاب وحب ألحان الغنا *** في قلب عبـد ليس يجتمعــان

أما تخشى سوء الخاتمة ، فإن من أسبابها الإصرار على الذنوب ، فلربما غلب عليك حب الغناء عند سكرات الموت ، فيظفر بك الشيطان عند تلك الصدمة، ويتخطفك عند تلك الدهشة ، فكم سمعنا عن قوم لقنوا لا إله إلا الله ، فكان يدندن بآخر أغنية سمعها ، فاتق الله يا عبد الله فالأمر جد خطير .

و يا دعاة الإسلام، وهداة الأنام، إنكم مطالبون بأداء الأمانة، ونصح الأمة، وبذل الجهد، وإفراغ الوسع ، في مناصحة من ابتلي بسماع الأغاني أو بيعها ، وزيارتهم في أماكنهم ، وحثهم على ترك هذا المنكر العظيم .

لقد كنا قبل فترة قصيرة ، لا نكاد نسمعه ، بل لقد كسد سوقه ، واشتكى بائعوه ، يوم كان الإنكار كثيراً ، والخير عميماً ، ويوم أن تقاعسنا ، وتركنا إخواننا فريسة للشيطان ، تعالت أصوات الغناء في الطرقات ، وآذت أسماعنا عند الإشارات ، وصكت آذاننا في الاستراحات ، بل وصل الأمر إلى المساجد بالجوالات ، وأصبح هم أحدنا ، أن يغلق زجاج السيارة ،أو أن يهز رأسه محسبلاً محوقلاً ، ظاناً بأنه قد خرج من العهدة ، ولم تلحقه تبعه ، أنسينا حديث رسول الله  صلى الله عليه وسلم «من رأى منكم منكراً ، فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان»

أيها المسلمون: نزهوا أسماعكم عن اللهو ومزامير الشيطان، وأحلوها رياض الجنان، وحلق القرآن، و مدارسة سنة سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، تنالوا ثمرتها، إرشادًا من غي، وبصيرة من عُمي، وحثًا على تقى، وبُعدًا عن هوى، وحَياةَ قلب، ودواء وشفاء، ونجاة وبرهانًا.