العلاج بما يحل بالمسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

العلاج بما يحل بالمسلمين

عباد الله

تعيش كثير من الشعوب الإسلامية ، في بلاد كثيرة ، ومدن متعددة ، في ركام من الأوهام ، وفساد في الأخلاق ، وهتك للأعراض ، وضياع للحقوق والممتلكات ، واضطراب في الأفكار ، وانحرافات منهمرة في العقيدة والمنهج ، وشئون الحياة السياسية والاقتصادية ، في حين انتشار الدعوات القومية ، والأفكار العلمانية ، والتيارات الإلحادية ، والشعارات الصوفية .

وقد استشرى هذا الفساد في أمتهم ، وكثير منهم منهمك فيما يضره ولا ينفعه ، غافل عما خلق له ، وعن مهمته ورسالته في هذه الحياة .

ومن أجل تحطيم هذه الانحرافات ،وهذه المعبودات من دون الله ، والأوضاع الجاهلية ، والأنظمة المنحرفة ، والتقاليد المخالفة للشريعة ، ؛ فلابد إذاً من العودة إلى الإسلام بتصوره الثابت ، من الاستسلام لله بالتوحيد ، والانقياد له بالطاعة ، والبراءة من الشرك وأهله وتحكيم شرع الله في أرضه ، وإخلاص العمل له سبحانه . فهذا أساس التوحيد ، وبدونه لا معنى للحياة .

وخصوم التوحيد ، ودعاة التحلل من القيم والأخلاق ،والتخلص من الأوامر والنواهي ، يزيدون في هذا العصر ولا ينقصون ، حتى كان من إفكهم : نشر الفساد في الأرض ، وتعطيل الجهاد في سبيل الله ، وظهور الشرك والبدع ، والانحرافات السياسية والاقتصادية ، والاجتماعية والفكرية بين المسلمين ، حتى ضاعت بذلك المفاهيم الشرعية ! وبقدر ما يبتعد الناس عن شرع الله ، وصراطه المستقيم ، ينالهم ما ينالهم من الذل والهوان ، والضعف والخسران .

وبقدر ما يخضعون للشرع ويحكمونه على الفرد والمجتمع ، والقوي والضعيف ، ويبتعدون عن الشرك والبدع ، يستخلفهم الله في أرضه ، ويمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم .

وحين قام الصحابة رضي الله عنهم بنصر الدين ، وإعلاء كلمة التوحيد ، والقيام بحقوقها ، وسارعوا إلى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مكنهم الله في الأرض واستخلفهم فيها ، ونصرهم على عدوهم .

وهذا النصر لم يأت لهم بمجرد التمني والتحلي فحسب !!! وإنما بالقيام بنصرة الدين . فالله جل وعلا ينصر عبده الذي ينصر دينه ، ومن ينصره الله فلا غالب له ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ﴾.

وأكبر عدة للمؤمنين ، وزاد على الكافرين والمجرمين : هي تقوى الله ، وإصلاح النفس ظاهرا وباطنا ، وهذا لا ينافي الأخذ بأسباب النصر ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ﴾ ولكن أعظم عوامل النصر ، وأجل مقوماته : وجود المؤمنين الصادقين ﴿رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾.

وقد نصر الله نبيه محمدا يوم الغار بلا جيش ولا سلاح ، ونصره وأصحابه يوم بدر بالملائكة ، ونصره وحزبه المؤمنين يوم الأحزاب بالريح والجنود ، وغير ذلك

عباد الله :

يقول تعالى : ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً﴾ فقد صرح تعالى في هذه الآية بأنه أكمل لنا ديننا فلا ينقصه أبدا ، ولا يحتاج إلى زيادة أبدا ، وبين بأنه رضي لنا الإسلام دينا فلا يسخطه أبدا ؛ ولذا أوضح بأنه لا يقبل غيره من أحد ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ وفي إكمال الدين ، وبيان جميع أحكامه ، كل نعم الدارين ، ولذا قال ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ وهذه الآية نص صريح في أن دين الإسلام لم يترك شيئا يحتاجه الخلق في الدنيا ولا في الآخرة ، إلا أوضحه وبينه كائنا ما كان . فهو دين كامل ، كامل في عقيدته ، كامل في شريعته ، فلم يعد للمؤمن أن يتصور أن به نقصا يستدعي الإكمال ، ولا قصورا يستدعي الإضافة ، ولا مكانا أو زمانا يستدعي التطوير أو التحوير ..وإلا فما هو بمؤمن ، وما هو بمقر بصدق الله ، وما هو بمرتض ما ارتضاه الله للمؤمنين .

وسأضرب لذلك المثل ببيان ما المسلمون واقعون فيه اليوم :

في فلسطين والشيشان وفي كشمير وأفغانستان وفي الهند والفلبين و… و…

من تقتيل وتشريد ، وهتك وتخريب ،

وفي خضم هذه الأحداث لعل البعض منا يتساءل فيقول : لماذا نحن المسلمون في ذل وهوان ، وضعف وخذلان ، والكفار في عز وأمان ، وقوة وسلطان ؟ ألسنا على الحق ؟ ألسنا على الدين القويم ؟ ألم يعدنا ربنا بأن النصر والعزة والتمكين لنا ؟

فأقول : لقد استشكلها أصحاب رسول الله وهو موجود بين أظهرهم ، وأفتى الله جل وعلا فيها بنفسه في كتابه ، فتوى سماوية ، أزال بها ذلك الإشكال ، "وذلك أنه لما وقع بالمسلمين ما وقع يوم أحد استشكلوا ذلك ، فقالوا كيف ينال منا المشركون ويسلطوا علينا ، ونحن على الحق وهم على الباطل " فأفتاهم الله في ذلك بقوله :  ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾ أنفسكم التي تخلخلت وفشلت وتنازعت في الأمر ، أنفسكم التي أخلت بشرط الله وشرط رسوله ، أنفسكم التي خالجها الأطماع والهواجس ، أنفسكم التي عصت أمر رسول الله في المعركة ، فهذا الذي تستنكرون أن يقع لكم ، وتقولون : كيف هذا ؟ هو من عند أنفسكم ؛ بانطباق سنة رسول الله عليكم ، حين عرضتم أنفسكم لها ، فالإنسان حين يعرض نفسه لسنة الله تقع عليه .

وقوله : ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾ أوضحه سبحانه على التحقيق ، بقوله : ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ فبين سبحانه في هذه الفتوى السماوية " أن سبب تسليط الكفار عليهم جاءهم من قبل أنفسهم ، وأنه هو فشلهم وتنازعهم في الأمر وعصيان بعضهم الرسول ، ورغبتهم في الدنيا ؛ وذلك أن الرماة الذين كانوا بسفح الجبل يمنعون الكفار أن يأتوا المسلمين من جهة ظهورهم ، طمعوا في الغنيمة عند هزيمة المشركين في أول الأمر ، فتركوا أمر الرسول ؛ لأجل رغبتهم في عرض من الدنيا ينالونه " .

ضعف المسلمين وقلة عددهم وعددهم

بالنسبة إلى الكفار ، فقد أوضح الله جل وعلا علاجها في كتابه ، فبين أنه إن علم من قلوب عباده الإخلاص كما ينبغي ، كان من نتائج ذلك أن يقهروا ويغلبوا من هو أقوى منهم "ولذا لما علم جل وعلا من أهل بيعة الرضوان الإخلاص كما ينبغي ، ونوه بإخلاصهم " في قوله : ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ علم ما في قلوبهم من حمية لدينهم لا لأنفسهم ، علم ما في قلوبهم من الصدق في بيعتهم .

بين أن من نتائج الإخلاص : أنه تعالى يجعلهم قادرين على ما لم يقدروا عليه : ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا﴾ فصرح بأنهم غير قادرين عليها ، وأنه أحاط بها ، فأقدرهم عليها وجعلها غنيمة لهم ، لما علم من إخلاصهم .

ولذلك لما ضرب الكفار على المسلمين في غزوة الأحزاب ، ذلك الحصار العسكري العظيم ، المذكور في قوله تعالى : ﴿إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا

كان علاج هذا الضعف والحصار : الإخلاص لله وقوة الإيمان به . قال تعالى : ﴿وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً﴾ فكان من نتائج ذلك ما ذكره سبحانه بقوله : ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِياً عَزِيزاً (25) وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً﴾ .

ولأجل هذا كان من علامات صحة دين الإسلام أن الطائفة القليلة الضعيفة المتمسكة به تغلب الكثيرة القوية الكافرة . قال تعالى : ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ

والمؤمنون الذين وعدهم الله بنصره ، بين تعالى صفاتهم ، وميزهم بها عن غيرهم ، قال تعالى : ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ ثم ميزهم عن غيرهم بصفاتهم في قوله : ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ

فالفتن والمحن لا تزيد المؤمنين – ولا سيما العلماء منهم- إلا إيمانا بالله وتسليما ﴿وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً﴾ وقد قيل : كم من محنة انقلبت منحة .

وعبيد الدنيا والشهوات ينكرون هذا المنهج ، ويكافحون هذا الفكر ، ويعيشون في ظلمات التيه والرذيلة والشرود عن حقيقة الواقع .

والأغرب من هذا أن يصموا هذا المنهج باسم التخلف والرجعية عن التقدم والحضارة الجديدة وهيهات هيهات أن يكون للعلم والدين روابط بهذه الاعوجاجات والتلفتات ؛ فالحق أبلج والباطل لجلج .

والتقدم والحضارة يقومان على الشريعة الإسلامية ، وتطهير المجتمعات من الظلم والعدوان ، وأكل أموال الناس بالباطل .

فالإسلام عبادة ومعاملة ، وشريعة ومنهج ، فمن آمن ببعض وكفر ببعض فهو كافر بالشرع كله ، فلا تنفعه صلاته وصيامه ولا حجه وزكاته .

والأوضاع القائمة على الشرك والبدع والكفر ، والتشريع الجاهلي ، واغتصاب الديار ، وانتهاك الأعراض ، لن تدوم مهما تمهدت سبلها ، وقويت شوكتها ، وطال مكثها في الأرض ، وهذه حقيقة يجب الإيمان بها ، وبذل الطاقات وراء تحقيقها ، والشرط في ذلك أن نقوم بالإسلام ، ونحرك به الأجساد والقلوب ، وأن نعمل صادقين موقنين ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ﴾.