السنة الهجرية وعاشوراء

بسم الله الرحمن الرحيم

السنة الهجرية وعاشوراء

   إن الحمد لله ..

عباد الله : في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ، وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ، فقلنا يا رسول الله : كأنها موعظة مودع ، فأوصنا ، قال : «أوصيكم بتقوى الله عز وجل ، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي ، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضو عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة»

فالرسول صلى الله عليه وسلم يأمرنا ويحثنا على التمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده ، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين .

وقد دخل علينا عام إسلامي جديد ، ابتدأ عقد سنواته من أجل مناسبة عظيمة في الإسلام ، ألا وهي هجرة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان بها تكوين الأمة الإسلامية في بلد إسلامي مستقل يحكمه المسلمون بعد تلك الفترة التي عاشها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين في مكة.

فعانوا فيها وقاسوا أشد أنواع الاضطهاد والبلاء والامتحان من ضرب وتعذيب ، وجوع وسخرية واستهزاء . فهذا خباب بن الأرت رضي الله عنه –كما في البخاري وغيره- يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم وهو في ظل الكعبة فيقول : يا رسول الله ألا تدعو لنا ، ألا تستنصر لنا ، فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم :«لقد كان فيمن كان قبلكم يؤتى بالرجل فيوضع المنشار على مفرق رأسه فينصف نصفين ، ويؤتى بالرجل فيمشط بأمشاط الحديد مابين لحمه وعظمه ، ما يصده ذلك عن دينه» أو كما قال .فعندها يمضي خباب رضي الله عنه ويسلم أمره إلى الله .  

وقد كان بلال بن رباح رضي الله عنه يوضع على صدره الحجر الكبير في الرمضاء في شدة الحر ، ويقال له : أكفر بمحمد ؟ فما يزيد رضي الله عنه على أن يقول : أحد أحد .

وحصرت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم وبني هاشم في الشعب مدة طويلة أصابهم في أثناءها مجاعة شديدة أكلوا فيها ما وجدوا مما يمكن إدخاله للجوف . وهم مع ذلك صابرون على ما من أجله امتحنوا . إلى أن جاء نصر الله وأذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة للمدينة وقريش تحاول منعهم من الهجرة حتى إنها همت بأمر عظيم ومكيدة خطيرة ألا وهي أن يجتمع من كل قبيلة شاب من الشباب فيهجموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فيضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل ولا يدرى من قتله فتعجز بنو هاشم عن مقاتلة تلك القبائل جميعها قال تعالى : ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ ... ﴾ فأطلع الله نبيه على الذي أرادت قريش فبات علي رضي .. على فراشه وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار ، وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبي فلما أصبحوا ثاروا إليه فلما رأوا عليا رد الله مكرهم فقالوا : أين صاحبك هذا ؟ قال : لا أدري فاقتصوا أثره ، فلما بلغوا الجبل ومروا بالغار رأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا : لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه ،  فصرفهم الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه حتى إن أبا بكر قال : يا رسول الله ، والله لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لأبصرنا ، فيقول له صلى الله عليه وسلم : «لا تحزن إن الله معنا ، يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما» ، ومكث فيه صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر ثلاث ليال ، وقريش جادة في البحث عنهم ، ثم بعدها هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.

تلك الهجرة التي أصبحت فيصلا بين الحق والباطل ، أصبح المسلمون بها أعزة بعد الذلة ، وأقوياء بعد الضعف ، حتى أعلا الله كلمته ، ونصر عبده وجنده .

عباد الله: إن التاريخ السنوي لم يكن معمولا به في أول الإسلام ، حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ففي السنة الثالثة أو الرابعة من خلافته .. كتب إليه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يقول له : إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ ، فجمع عمر الصحابة .. فاستشارهم ، فيقال : إن بعضهم قال : أرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكها ، كلما هلك ملك أرخوا بولاية من بعده . فكره الصحابة ذلك . فقال بعضهم : أرخوا بتاريخ الروم ، فكرهوا ذلك أيضا ، فقال بعضهم : أرخوا من مولد النبي صلى الله عليه وسلم وقال آخرون من مبعثه ، وقال آخرون من مهاجره ، فقال عندها عمر  الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها فأرخوا من الهجرة ، واتفقوا على ذلك . ثم تشاوروا من أي شهر يكون ابتداء السنة ؟ فقال بعضهم : من رمضان ؛ لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن . وقال بعضهم : من ربيع الأول ؛ لأنه الشهر الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا . واختار عمر وعثمان وعلي أن يكون من المحرم ؛ لأنه شهر حرام وهو آخر الأشهر الحرم ، فابتدؤا به العام ؛ لينتهي بشهر حرام أيضا وهو شهر ذي الحجة ، الذي كانت فيه بيعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم والعزيمة على الهجرة . فكان ابتداء السنة الإسلامية الهجرية من الشهر المحرم الحرام ، ووجب على المسلمين الإذعان لهذا الأمر لما مر من قوله صلى الله عليه وسلم «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء …. »

جعلني الله وإياكم من المتمسكين بشرعه ، المتبعين لسنة نبيه ، وسنة خلفائه الراشدين المهديين من بعده

الحمد لله :

عباد الله : لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن أمته ستتبع سنن من كان قبلها حذو القذة بالقذة وحذو النعل بالنعل حتى لو دخلوا جحر ضب لدخله أولئك . ومن تأمل نصوص السنة يلحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره الشيء الذي فيه تشبه بأعداء الله ، ويأمر بمخالفته ، حتى إن اليهود لحظوا هذا الأمر فقالوا : إن هذا الرجل لا يدع شيئا إلا خالفنا إياه ، وكان صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقول: «خالفوا اليهود» «خالفوا المشركين» «لا تشبهوا باليهود والنصارى» : وما إلى ذلك من النصوص ، وإنه لمن المؤسف حقا أن يعدل أكثر المسلمين اليوم عن هذا التاريخ الإسلامي الهجري إلى التاريخ النصراني الميلادي الذي لا يمت لدينهم بصلة ، ولئن كان لبعضهم شبهة من العذر حين استعمر بلادهم النصارى وأرغموهم أن يتناسوا تاريخهم الإسلامي الهجري ، فليس لهم الآن أي عذر في البقاء على التاريخ النصراني الميلادي ، وقد أزال الله عنهم كابوس المستعمرين .

عباد الله : لنعلم أن التبعية لأعداء الله في هذا العصر قد شملت كثيرا من أمور حياتنا ومن ضمنها التوقيت الإسلامي ، سواء الهجري أو الغربي ، وما ذاك إلا لأجل الضعف والخور الذي خيم على نفوس المسلمين في هذه الأزمان . بحيث عاد المسلمون مقودين بعد أن كانوا قادة ، وأذلة بعد أن كانوا أعزة ، ومغزوين بعد أن كانوا غزاة ؛ كل ذلك بسبب ما اقترفته أيديهم من الذنوب ، فنسألك اللهم بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن ترفع عنا هذا البلاء ، وأن تجمع المسلمين على كلمة الحق يا من إليه المشتكى .

عباد الله : يقبل علينا يوم عظيم من أيام الله ، إنه يوم عاشوراء ، خرج مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «صوم يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية» وفي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مهاجرا وجد اليهود تصومه ، فقال : «ما هذا اليوم الذي تصومونه» قالوا : هذا يوم عظيم ، نجى الله فيه موسى وقومه ، وأغرق فرعون وقومه ، فصامه موسى شكرا لله ، فنحن نصومه ، فقال صلى الله عليه وسلم: «حن أحق بموسى منكم» فصامه وأمر بصيامه ، وقال : «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» أي مع العاشر. وفي لفظ «صوموا يوما قبله أو يوما بعده ؛ خالفوا اليهود» .فصيامه سنة وكان المسلمون يصومونه ويصومون صبيانهم ، ويعطونهم اللعب من العهن ؛ تسلية لهم عن الفطر في ذلك اليوم – كما في الصحيحين عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها.