نعمة النوم

بسم الله الرحمن الرحيم

نعمة النوم

24/5/1429هـ (ج)

الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وهو الذي جعل الليل لباساً، والنوم سباتا، وجعل النهار نشورا، أحمده سبحانه حمدا طيبا مباركاً كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك العظيم، الرب الرحيم، لا إله إلا هو رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، واشهد أن محمدا عبده ورسوله، المبعوث من ربه بالهدى ودين الحق، بشيرا ونذيرا، فأوضح الله به المحجة، وأقام به الحجة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله تعالى واشكروه على سابغ نعمته، واستعينوا بها على طاعته، ولا تجعلوها ذريعة لمعصيته، بل اتخذوها سلما للفوز بمغفرته، ورضوانه وجنته، وتذكروا أنكم عما قريب منقلبون إليه، فموقوفون بين يديه، ومسئولون عما أنتم فيه من النعم والخير العميم، وقد أبلغ في الإعذار من تقدم بالإنذار، فأعدوا للسؤال جوابا، وليكن الجواب صوابا ﴿يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

عباد الله: من آيات الله الباهرة، ونعمه الظاهرة، هذا الليل الذي جعله الله لكم لتسكنوا فيه، فتنقطع معه حركاتكم، وتهدؤوا فيه بنومكم، ولهذا ذكره الله تعالى من جملة آلائه امتنانا وتذكيرا، فقال ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا﴾ أي يغشاكم بسواده، فتنقطع فيه حركاتكم، ليحصل لكم السكون والراحة ﴿وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا﴾ أي تنتشرون فيه لتجارتكم وأعمالكم، وسائر تصرفاتكم التي تتحقق بها معايشكم، فجعل هذا للارتياح، وهذا لطلب الأرباح، فتقوم بذلك المصالح، ويستعان بهما على العمل الصالح، ولهذا قال سبحانه ﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أي ألم يشاهدوا هذه الآيات العظيمة، والنعم الجسيمة، في تسخير الليل والنهار يتعاقبان، هذا بظلمته وهدوئه؛ ليسكنوا فيه ويستريحوا من التعب، ويستعدوا للعمل. وهذا بضيائه؛ لينتشروا فيه لمعايشهم وتصرفاتهم. فليشكروا الله وليحسنوا العمل، إن في ذلك لآيات واضحات، دالات على كمال وحدانيته، وسبوغ نعمته، ووجوب الإخلاص له في عبادته، ينتفع بها المؤمنون، ويجحدها المبطلون.

عباد الله: ومما قرر سبحانه به إلهيته، واحتج به على المشركين في عبادته، ونبه به على أنه هو الإله الحق، المستحق للحب والذل والتعظيم، والإجلال والإكرام من جميع الخلق ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فأخبر سبحانه أنه وحده المتفرد بتدبير عباده في يقظتهم ومنامهم، وأنه يتوفاهم بالليل وفاة النوم، فتهدأ حركاتهم، وتستريح أبدانهم، ويبعثهم في اليقظة من نومهم، ليتصرفوا في مصالحهم ومعاشهم ومعادهم، وليستكملوا الأرزاق والآجال، وهو سبحانه يعلم ما جرحوا وكسبوا من الأعمال، ومنهم من يتوفاه الله على نومه ثم لا يبعثه إلا يوم القيامة، لأنه سبحانه قد قضى بنفاد أجله، وانقطاع عمله، فاختُرم دون أمله، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا أراد أن ينام:«باسمك اللهم أموت وأحيا» وإذا استيقظ من منامه قال صلى الله عليه وسلم:« الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور» وكان يقول صلى الله عليه وسلم:«باسمك اللهم وضعت جنبي وباسمك أرفعه، فإن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ بها عبادك الصالحين» وكان يقول صلى الله عليه وسلم:«اللهم أنت خلقت نفسي وأنت تتوفاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها فاحفظها، وإن أمتها فاغفر لها، اللهم إني أسألك العافية».

عباد الله: في هذا الأذكار النبوية تذكير للنفس بأن النوم أخو الموت، وأنه مذكر به، وقد يكون طرفا له، فإن استحضر العاقل الأجل، خاف من الله عز وجل، وحرص على الختام بصالح العمل، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«يبعث كل عبد على ما مات عليه». وثبت عنه صلى الله عليه وسلم :«أن الناس إذا ماتوا يبعثون على نياتهم » وكم من الناس اليوم يفرطون في هذا الجانب، فيختمون يقظتهم بعمل المنكرات، ينامون مصرين على السيئات، عازمين متواطئين على ترك صلاة الفجر مع الجماعات، فماذا لو ماتوا حال نومهم، وبعثوا على نياتهم فماذا يقولون لربهم، إذا وقفوا بين يديه، وسأل كل واحد منهم عن إحسانه إليه؟ وحقه عليه؟ ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ

الحمد لله:

عباد الله: اعلموا أن لنبيكم صلى الله عليه وسلم هديا كريما، وسننا معلوما، كان يأخذ به عند نومه، ويوصي به أهله وصحابته، وهو وصيته لكل أحد من أمته، وبالأخذ به يُنتفع من النوم، ويُتقرب إلى الحي القيوم، وتتقى الشرور والمكاره والهموم، فمن ذلك:

- إطفاء السرج، وإغلاق الأبواب، وحفظ الأطعمة، كما في حديث جابر عند (خ): «أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: أطفِئوا المصابيحَ إذا رَقَدْتم، وأغْلِقوا الأبواب، وأوْكوا الأسقيةَ، وخَمِّروا الطعامَ والشراب ـ وأحسِبُه قال ـ ولو بعُودٍ تَعرُضهُ عليه». وجاء في بعض الآثار: أن الجن والشياطين لا تفتح شيئا مغلقاً !!

- أن لا ينام الإنسان بمفرده. فعند (حم) عن ابن عمر:«أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الوَحْدَة، وأن يبيت الرجل وحدَه، أو يسافر وحدَه». وذلك لما يحصل في الوحدة من الوحشة وكثرة الأوهام، ولعب الشيطان بالعبد.

- التفريق في المضاجع بين الأولاد والبنات. لحديث: «مُرُوا أَوْلاَدَكُم بالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْع سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في المَضَاجِعِ» .

- نفض الفراش قبل النوم. لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ».

- ألا يؤخر نومه بعد صلاة العشاء إلا لضرورة. كمذاكرة علم، أو محادثة ضيف، أو مؤانسة أهل، لما في (خ م) عن أبي برزة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل صلاة العشاء، والحديث بعدها.

- أن يجتهد الإنسان في ألا ينام إلا على وضوء. لقول الرسول صلى الله عليه وسلم للبراء بن عازب:«ذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ»

- أن يوتر قبل أن ينام. قال أبو هريرة: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث - وذكر منها -: وأن أوتر قبل أن أنام .

- أن ينام ابتداء على شقه الأيمن، ويتوسد يمينه. لقول الرسول صلى الله عليه وسلم للبراء «إذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ» وقوله صلى الله عليه وسلم «إذا أويت إلى فراشك وأنت طاهر فتوسد يمينك».

- أن لا يضجع على بطنه أثناء نومه ليلاً ولا نهاراً. لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إنها ضجعة أهل النار». وقال:«إنها ضجعة يبغضها الله عز وجل».

- أن يذكر أذكار النوم قبل أن ينام، ومنها: ما خرّجه (خ) عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ ثُمَّ قُلْ: اللهم أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ ».

ألا فاتقوا الله عباد الله: وأحسنوا النيات، وبادروا فرص العمل بعمل الصالحات، واتقاء السيئات، وسرعة التوبة إلى الله تعالى من الزلات، واختموا يقظتكم بخير، واستعينوا بالنوم على عمل البر، وأظهروا لله الشكر، ولا تكونوا ممن قال الله تعالى فيهم في معرض الذم والتهديد والإنذار والوعيد بسبب ما كانوا يقترفون ﴿إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ *أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾