استقبال رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم

استقبال رمضان

الحمد لله

اتقوا الله ربكم في سائر الأوقات ، واشكروه على ما أنعم به عليكم من مواسم الخير والبركات ، وما خصكم به من أسباب الفضل وأنواع النعم السابغات، واغتنموا مرور الأوقات الشريفة ، والمواسم الفاضلة ، بعمارتها بالطاعات ، وترك المحرمات ، تفوزوا بطيب الحياة ، وتسعدوا بعد الممات .

عباد الله: لقد أظلكم شهر عظيم ، وموسم كريم ، شهر رمضان المبارك، شهر تضاعف فيه الحسنات، وتفتح فيه أبواب الجنات، وتغلق فيه أبواب النيران، وتقبل فيه التوبة إلى الله من ذوي الآثام والسيئات ، فأبعد الله من أدركه شهر رمضان فلم يغفر له، ما أعظم ما باء به من الخسران ! إنه شهر كريم وموسم عظيم، يحمل خيراتٍ عظيمةً، وبركات كثيرة، فيه مضاعفة للحسنات، وتكفير للسيئات، وإقالة للعثرات، مخصوصٌ بأسمى الصفات وأزكى الدرجات.

فاشكروا الله أيها المسلمون على ما أودع رمضان من عظيم الخصال، واستقبلوه أحسن استقبال، وعظموه بالصيام والقيام، والتنافس في صالح الأعمال .

إنه شهر البركات . فهل من راغب ؟ فيه تتنزل الرحمات ، فهل من تائب ؟ هذه بحار الخير تتدفق ، فأين الجادون ؟ هل من مشمر للطاعة، باذل لمهر الحور العين . ليالٍ تمر وتمضي كلمح البصر، ويذهب الجهد والتعب ، وتبقى حلاوة الطاعة . صيام وقيام ، وصدقة و قرآن ، يقول صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» ويقول صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» فلا إله إلا الله كم من مغبون قد حرم الخير في هذا الشهر المبارك.

أيها المسلمون : لماذا نعرض ونحن المحتاجون؟ لماذا نرفض ونحن الغارمون؟ إنه شهر أنزل الله فيه كتابه ، وفتح فيه للتائبين أبوابه، الظافر من اغتنم أوقاته، والخاسر من أهمله ففاته ، شهر جعله الله لذنوبكم تطهيراً ، ولسيئاتكم تكفيراً، شهر فيه المساجد تُعمر، والآيات تُذكر، والقلوب تُجبَر، والذنوب تُغفَر، شهر تُرفع فيه الدرجات ، وتُرحم فيه العبَرات، فإذا وفّقَك الله لأن تقوم ليالي رمضان ، فاعلم أنك ما رَفعتَ خطوة إلى المسجد ، إلا رفعَك الله بها درجة ، وما وضعت قدَماً ، إلا حطّت عنك سيئة ، فكم من أُناس وقفوا بين يدي الملك العلاّم ، وهم في القيام ، أوجب الله لهم دار السلام.

أيها المسلمون : إن بلوغ رمضان وصيامه ، نعمة عظيمة، ولقد كان سلفنا الصالح يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم ، وكيف لا، وهو شهر فرض الله علينا صيامه كما فرضه على الأمم السابقة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

عباد الله : بلوغ هذا الشهر نعمة عظمى، وإدراكه منة كبرى، تستوجب الشكر و اغتنام الفرصة الكبرى ، بما يكون سبباً للفوز بدار القرار، والنجاة من النار .

أيها المسلمون، بتلاوة القرآن يزداد المسلم جمالاً وبهاءً، ظاهراً وباطناً، قلباً وقالباً، وبه يزداد قدراً وشرفاً، في الدنيا والآخرة. فتلاوته هي التجارة الرابحة التي لا تبور، في جميع الدهور، وعلى مدى الأيام والشهور ، قال الزهري رحمه الله : إذا دخل رمضان فإنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام ، وكان بعض السلف رضي الله عنهم يختم القرآن في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع.

عباد الله : رمضان شهر العفو والرحمة والغفران، يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء رمضان، فُتّحت أبواب الجنة، وغلّقت أبواب جهنم، وصفدت الشياطين» (خ ، م أبو هريرة) .

ألا فليكن رمضان فرصةً لنا للنظر في الأحوال، والتفكر في الواقع، لنصلح ما فسد، ونعالج ما اختلّ. لِيكن هذا الشهر انطلاقةَ خير نحو مستقبل مشرق، ونقطةَ تحوّل إلى أحسن الأحوال، وأقوم الأقوال والأفعال .

الخطبة الثانية:

أيها المسلمون : في تقلّب الأيام معتبر، وفي انصرام الأوقات مزدجر، وفي قراءة صفحات التأريخ أعظم مدّكر، يمرّ بنا رمضان فتعود بنا الذكريات الخالدة إلى تذكر النصر في معركة بدر، وفتح مكّة، نصرٌ وظفر، فوز وعزّ وتمكين، كم يذكرنا رمضان بانتصارات للمسلمين، و بطولات للمؤمنين، وما معركة اليرموك عنا بغائبة، ولا القادسية بمنسية، ألا فلتعلم الأمة أن أولئك الأخيار ما حققوا العزة والنصر، ولا نالوا السعادة والتمكين، إلا بسبب تمسكهم بالإسلام، حكماً وتحاكماً، منهجاً وسلوكاً، توحيدٌ خالصٌ لرب العالمين، وعزةٌ وشموخٌ بهذا الدين.

عباد الله : شهر رمضان شهر الجود والكرم، والسماح والندى، في ( خ ، م ) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، كل ليلة في رمضان ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ، ألا وإن من أبرز خصال الكرم، وأنبل أنواع الجود، الإحسان إلى العباد وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من إطعام جائع، وقضاء حاجة محتاج، قال صلى الله عليه وسلم: «من فطّر صائماً كان له مثل أجره، من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئاً» في عالم المسلمين فقراء لا مورد لهم، ومشردون لا أوطان لهم، يعيش كثيرون أياماً قاسية، ويذوق آخرون مرارات متنوعة، قتل وتشريد، تدمير وإفساد، فاللهَ اللهَ في إخوانكم، تذكروا أحوالهم، وابذلوا ما تستطيعون في مساعدتهم، من مال وغذاء، وكساء ودواء، قال جلّ وعلا: ﴿وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ

تذكروا وأنتم في رمضان، إخوانكم المستضعفين في كل مكان، خُصّوهم بصالح الدعاء، قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ترد دعوتهم» وذكر منهم: «الصائم حين يفطر»

معاشر المسلمين، ليكن صومكم جُنّة تتدرّعون به من جميع المعاصي والآثام، في جميع الأوقات والأزمان، يقول صلى الله عليه وسلم: «الصيام جُنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني امرؤ صائم» فمن مقاصد الصوم ، ضبط النفس وتهذيبها، وحفظ الجوارح وصيانتها، قال صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»