الأمن و أهميته

بسم الله الرحمن الرحيم

الأمن و أهميته

إن الحمد لله .. ..

كانت جزيرة العرب ، مسرحاً للفتن والاضطرابات ، والنهب والسلب والحروب ، لقد كان حال الناس في الجاهلية شر حال ، الغني يبطش بالفقير، والقوي يرتفع على الضعيف، والنسيب يحتقر الوضيع ، فلا تراحم ولا تواصل ، كانت الكلمة فيهم للقوي فإن سرق تركوه ، وإن كان الضعيف عاقبوه ، كانت العداوة تنشب بينهم لأتفه الأسباب ، بل كانت الحروب الطاحنة تدور رحاها بينهم سنين عدداً ، بسبب حميِّة عصبية ، أو نزعة ثأر قبلية . ثم بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل ، فأعاد الله به الناس إلى صراطه المستقيم . فتلا عليهم آيات الله ، وزكى أنفسهم من أدران الشرك إلى طهارة الإيمان ، ووضع عنهم الآصار والأغلال ، وأخرجهم من الظلمات إلى النور ، وعلمهم الكتاب والحكمة , فاطمأنت قلوب من آمن به ، وسادت بينهم روح المحبة والإخاء ، وتبدلت حالة الاستئثار بالشيء إلى الإيثار به ، وحل التواضع مكان التكبر ، والأخوة مكان العداوة ، وساد المجتمع أمن الإسلام ، فأصبح خير مثال للمجتمع الآمن على دينه وعرضه ، وعقله ونفسه وماله .

عباد الله : إن الأمن مطلب نبيل ، تهدف إليه المجتمعات البشرية ، وتتسابق لتحقيقه السلطات الدولية ، بكل إمكانياتها الفكرية والمادية .

وطلب الأمن مقدم على طلب الغذاء ، لأن الخائف لا يتلذذ بطعام ، ولا يهنأ بمنام ، ولا يطمئن في مكان .

عباد الله : إن خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام ، لما أكمل بناء بيت الله الحرام، دعا لأهله بهذه الدعوات ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ

وقال تعالى مخبراً عن قول نبي الله صالح لقومه، يخاطبهم ويذكرهم نعم الله عليهم: ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ

وقال جل وعلا عن سبأ وما أعطاهم من النعم: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ

وقال جل وعلا مذكراً سكان بيته الحرام ﴿أَوَ لَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا﴾ وقال ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ

و قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «من أصبح آمناً في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» في ظل الأمن والأمان : تحلو العبادة، ويصير النوم سباتاً، والنهار معاشاً ، والطعام هنيئاً، والشراب مريئاً، الخائف لا يؤنسه جليس ، ولا يريحه حديث، قلق متوجس، كثير الالتفات. فكيف يصل إلى منشوده و مبتغاه؟!

فالأمن مطلب ضروري لكل أحد ، ولقد جربت البشرية كل النظم الجالبة للأمن في نظرها ، و هذا ظاهر في الدعوات لما يسمى بحقوق الإنسان، التي تجعل من فتح الحريات، وعتق الرغبات، رفضاً للفطر السليمة، وسبباً مباشراً تدمر به الأخلاق المستقيمة ، و يزعمون أن من خالف ذلك فهو ضد الإنسانية، و الحقوق الشخصية ، والرغبات الفردية .

عباد الله : لقد سفهت دعوات حقوق الإنسان أحكام الشريعة، فوصفت إقامة الحدود بالغلظة. ووصمتها بالجفاء . فما هي وسائل تحقيق الأمن ؟ و ما هي الأسباب الصحيحة ، لتوفيره للمجتمعات ؟إنه تطبيق الإسلام الذي اختاره الله للبشرية .

وأهم مقومات الأمن في هذا الدين : هو الإيمان بالله ، ومراقبته والشعور بأنه مطلع على عبده في السر والعلن ، وأنه يجازي عباده على تصرفاتهم ، فكلما هم العبد بمواقعة جريمة ، تذكر ذلك فانكف عنها خوفاً من الله تعالى .

ومن مقومات الأمن إصلاح العقيدة ، بعبادة الله وحده وترك ما سواه ، وذلك مما يجعل المسلمين أخوة متحابين في الله ، لا يعتدي بعضهم على بعض ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ فأول الواجبات الأمنية : البعد عن الشرك بالله في ربوبيته و ألوهيته، أو تنحية شرعه عن واقع الحياة ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ

الخطبة الثانية:

ومن مقومات الأمن : إقامة الصلاة ؛ لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر . والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لأن في ذلك أخذاً على يد السفيه ، ومنعاً له من ملابسة الإجرام . ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ

ومن مقومات الأمن : شكر النعم ، بالاستعانة بها على طاعته ، وصرفها في غير معصيته ؛ لأن كفرها سبب لحلول ضدها من الخوف والجوع ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ

ومن مقومات الأمن :إقامة الحدود التي شرعها الله ، لتردع المجرمين عن غيهم ، وتزجر غيرهم أن يفعل فعلهم . فلقد شرع الله سبحانه وتعالى الحدود لحكم عظيمة ، ومنافع جليلة، ينعم بجناها المجتمع ، ويتفيأ ظلالها، وتعود عليه بالأمن والاستقرار ، والراحة والهناء ، فيعيش المرء آمنا في سربه، مرتاح الضمير، روحه مصونة فلا تزهق، ودمه محقون فلا يراق، ونسبه كريم فلا يلوث ، وعرضة سليم فلا يقذف ، وأمواله محفوظة فلا تصل إليها يد خائن ، وعقله باق على جبلته التى ميزه الله بها .

أيها المسلمون : بين أيدينا شاهد من الحاضر الذي نعيشه . وهو أن بلادنا كانت تعيش حالة من الفوضى والخوف والتناحر ، كل قرية تغير على الأخرى ، وكان بينهم من العداوات والثارات الشيء الكثير ، فلما من الله عليهم بظهور دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ،إلى العقيدة الصحيحة ، والتمسك بهذا الدين ، واستجابوا لتلك الدعوة المباركة ، بدل الله خوفهم أمناً ، وحربهم سلماً ، وجوعهم شبعاً ، وظمأهم ريّاً .

عباد الله : لقد بدأت تتغير أحوال كثير من الناس ، في كثير من المجتمعات ، فاستهين بالتوحيد ، وانحرفت العبادات ، واختلت المعاملات ، وتغيرت الثوابت ، فبدأ الأمن يختل ، والخوف يحل ، ولا سيما حين نرى بعض الأقطار الملتهبة بالصراع، والتي يطحن بعضها بعضاً من داخلها، أو من خلال سطوة البغاة عليها ، واجتياح العدوان المسلّح، استباحةً لأرضها، ونهباً لخيراتها ، وتعدٍ على حرماتها. .. يصاب المسلمون بالذعر عند كل زفرة من أنفاسهم، يستيقظون عند كل رمية رصاص، أو حركة مجنزرات. إنهم يرجون الأمن والأمان.

من المسلمين من يصبح لا يدري مصير أمنه، ولا قوت يومه، ولا معافاة بدنه، يعيشون أجواء مقلقة ، وحياة متقلبة، سقوفهم واكفة، وجدرانهم نازّة، وجبالهم تسيل حُمما وشظايا، حتى غدت أوديتهم بمآسيهم أباطح، فلم تعد الدور دوراً، ولا المنازل منازلاً، والحرب اليوم تدق طبولها ، والعدو يتربص بالأمة ، ويعلن التحدي ، ويهدد بالحرب ، ونحن في غينا سادرون ، وفي معاصينا منهمكون ، وعن شرع ربنا معرضون ، إلا من رحم الله ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ