المرأة وكيد الأعداء

بسم الله الرحمن الرحيم

المرأة وكيد الأعداء

الحمد لله الذي خلق خلقه أطوارا، وصرفهم في أطوار التخليق كيف شاء عزة واقتدارا، وأرسل الرسل إلى المكلفين إعذاراً منه وإنذارا، فأتم على من اتبع سبيلهم نعمته السابغة، وأقام بهم على من خالف منهجهم حجته البالغة، فنصب الدليل، وأنار السبيل، وأزاح العلل، وقطع المعاذير، وأقام الحجة، وأوضح المحجة، وقال: ﴿هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾ وأرسل رسله مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، فقبل نعمة الهداية، من سبقت له سابقة السعادة، وتلقاها بيمين، وردها من غلبت عليه الشقاوة، ولم يرفع بها رأساً بين العالمين، فسبحان من أفاض على عباده النعمة، وكتب على نفسه الرحمة.

أحمده والتوفيق للحمد من مننه، وأشكره والشكر كفيل بالمزيد من فضله وكرمه، وأستغفره وأتوب إليه، من الذنوب التي توجب زوال نعمه، وحلول نقمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمةً قامت بها الأرض والسماوات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسست الملة، ونصبت القبلة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وبها أمر الله سبحانه جميع العباد، وهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وحجته على عباده، وأمينه على وحيه، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للناس أجمعين، ومحجة للسالكين، وحجة على المعاندين، وحسرة على الكافرين، فلم يزل صلى الله عليه وسلم مشمراً في ذات الله تعالى، لا يرده عنه راد، ولا يصده عنه صاد، فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها، وتألفت القلوب بعد شتاتها، وامتلأت به الأرض نوراً وابتهاجاً، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، فصلى الله وملائكته والصالحون من عباده عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

عباد الله: لقد جاء الإسلام إلى هذه المعمورة، والشرك قد خيم، والجهل قد استحكم، والمجتمعات يسودها الفوضى، والناس يظلم بعضهم بعضاً، جاء الإسلام ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ناسخاً للأديان كلها، ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا …﴾ مقرراً أنه لا دين حق إلا هو ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ﴾؛ ذلك لأنه دين الكمال ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ ففيه العقائد الفطرية، التي يوافقها العقل الصحيح، وتسمو بالإنسان عن الخضوع والعبودية لغير خالقه ورازقه، ومالك ضره ونفعه، وموته وحياته، فلا إله غيره ولا رب سواه. وفي الإسلام جماع الأخلاق الفاضلة، التي تهذب النفوس، وتطهرها من كل دنس، فلا يستطيع أحد مهما بلغ علمه، وعظم أمره، أن يجد فيها مطعنا، ينفس فيها عن حقده وضغنه، إلا ارتد عليه سهمه، وأصاب كيده نحره

كناطح صخرة يوماً ليوهنها *** فلم يضرها وأوها قرنه الوعل

عباد الله:

إن أهل العقل والعلم، ليسوا بمغرورين ولا مبالغين، في تصور أن وراء كل حدث مؤامرة، ولا من المتوهمين أن خلف كل حديث تآمرة. ولكنهم في الوقت ذاته لن يكونوا من أولئك الذين يسلمون القياد، ويرخون الزمام، لتقودهم أفكار فاسدة، أو تضلهم دعوات ماكرة، أو يسيروا خلف كل ناعقة. وأعداء الإسلام يستغلون كل حدث، ليوظفوه في إصابة الأمة في مقتل. ومن ذلك ما يكاد للمرأة في كل وقت وحين، وفي كل مناسبة وحادثة، وإن المستعرض لهذه القضية، يجد بدايتها على أيدي غير المسلمين،الذين خططوا في خفاء، ونفذوا في دهاء، وجندوا من أبناء هذه الأمة، من فقد اعتزازه بعقيدته، وتمسكه بدينه، وانتماءه لأمته، فصنعوا منهم أبطالاً، وخلعوا عليهم ألقاباً، ليخدعوا بهم المغفلين، ويفتنوا بأقوالهم الجاهلين، ويصدوا بهم الناس عن هذا الدين.

ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد

وقد لقي المسلمون من كيدهم، وأصابهم من مكرهم، ما أوقع بهم كل فتنة دهماء ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ ويكشف الله جل وعلا عن حقيقتهم بقوله: ﴿وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا﴾ يريدون أن يميل المسلمون ميلا عظيما، عن المنهج القويم، والصراط المستقيم، في تنظيم الأسر، وتطهير المجتمع، وتحديد وظيفة كل من الرجل والمرأة، يريدون أن يطلقوا بينهم الغرائز، من كل قيد وعقال، يريدون أن ينتشر الفساد الجنسي المحموم، بلا حاجز ولا رادع، ذلك الفساد الذي لا يقر معه قلب، ولا يطمئن معه بيت، ولا يسلم معه عرض، ولا تقوم معه أسرة، يريدون أن يعود الآدميون قطعاناً من البهائم، ينزو فيها الذكران على الإناث، باسم الحرية، وليست إلا شهوة واستعباد، وباسم الإصلاح و ليس إلا الفساد والإفساد. لقد كانوا يبذلون جهدهم لرد المجتمع المسلم إلى الجاهلية، وهو ما تسطره الأقلام الهابطة، وتبثه الأجهزة الموجهة، وتدسه الأفكار الهدامة. فاتق الله يا عبد الله ﴿وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ

اللهم احفظ علينا ديننا.

الخطبة الثانية:

الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، الذي وفق أهل طاعته للعمل بلا إله إلا الله، وحقق على أهل معصيته ما قدره عليهم وقضاه، أحمده سبحانه على حلو نعمه ومر بلواه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا رب سواه، ولا نعبد إلا إياه، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله، وأشهد أن نبينا محمداً، عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي كمل به عقد النبوة، فطوبى لمن والاه وتولاه.

أما بعد: فيا عباد الله: إن ما وصل إليه الأمر، في بعض بلدان المسلمين، من التفسخ والتبذل، لم يحدث دفعة واحدة، وإنما بدأ بدايات بسيطة، خطط لها ودبر، وتداعت لنصرتها وسائل إعلامهم، ووزعوا الأدوار فيما بينهم، فهذا يطرح، وذاك يؤيد، والثالث يحكي الإجماع، يتظاهرون بأنهم للمجتمع من الفساد منقذون، وعلى الاقتصاد حريصون،، وأن غيرهم عاجزون، وأنهم في ذلك مصلحون ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾. حتى آل الأمر إلى ما آل إليه، فعصفت رياح التغيير، وموجة التغريب بالمجتمع، وتعالت أصوات أهل العلمنة، ودعاة التحرير، وأنشبوا أظفارهم في جسد الأمة، فأكثروا فيها من الجراحات، وكلما خمدت نار فتنة أشعلوا فتيلها، بتصعيد إعلامي، من أقلام مأجورة، وجرأة غير معهودة، فخذوا حذركم، واتقوا الله تعالى في أنفسكم، واستقيموا على طاعة ربكم، واشكروا الله على نعمائه عليكم، وعالجوا الأمر بكل وسيلة ممكنة، على ضوء ما دل عليه كتاب ربكم، وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، «من رأى منكم منكراً …» واستشيروا في ذلك من رسخت في العلم قدمه، وعلا في الخير كعبه، واحذروا مكائد الأعداء، فإنهم لا يبالون في أي أودية الهلاك ألقوكم، ولنعلم جميعا أن ما أصابنا من فتن، إنما هو بسبب ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ فعلينا يا عباد الله أن نتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا، وأن نطرح بين يديه، مظهرين الفاقة والحاجة إليه، وأن نلح إليه بالدعاء والتضرع بأن يصلح ولاة أمرنا، وأن يرزقنا وإياهم البطانة الصالحة الناصحة، وأن يجنبهم بطانة السوء.فاللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين،اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك، أن نغتال من تحتنا، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء، فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم من أراد نساءنا بتبرج وسفور، ومن خطط لاختلاطهن بالرجال، ومن كاد لنزعهن الحجاب، اللهم فأخرس لسانه، وشل يده، وأعم بصره، وعرضه للمصائب، واجعله عبرة للمعتبرين.

اللهم واستر على نساء المسلمين.