خطبة استسقاء

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة استسقاء

الحمد لله، والاستعانة بالله، والشكوى إلى الله، والرحمة من الله، والرزق عند الله، والغيث بيد الله، والتوبة إلى الله، والناس جميعاً فقراء إلى الله، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء ، وهو الباطن فليس دونه شيء ، له الحمد كله ، وإليه يرجع الأمر كله علانيته وسره، لا رب سواه ، ولا راحم إلا إياه، والصلاة والسلام على أعرف الخلق بمولاه، قام لربه حتى تفطرت قدماه، ضج بالدعاء حتى سقط رداؤه، وهو المجاب من ربه إذا دعاه.

أيها الناس : اتقوا الله الذي لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا رافع لما خفض، ولا خافض لما رفع، العطايا من فضله ترتقب، وهو المرجوُّ لكشف الكرب، بدأنا بالنعم قبل الاستحقاق، ومنحنا ما لا يُحصى من الأرزاق ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ

كيف يحصر نعمه حاصر، وهي مع الأنفاس وهجس الخواطر، وحركات الألسن ولمحات النواظر، أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، ومن كل نعمه أعطانا، ساق إلينا الأرزاق ، ونحن أجنة في بطون الأمهات، وأخرجنا من تلك المضائق والظلمات ﴿وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

ليس لنا إذا نقصت الأمطار ، وغارت الآبار ، وذبلت الأزهار، وذوت الأشجار ، ومات الزرع ، وجفّ الضرع ، إلا الله ، لا إله إلا هو ولا رب سواه ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ﴾ ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَّأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَّعِينٍ

عباد الله :

إن ربكم جل وعلا يخوفكم بالآيات والنذر ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا﴾ قلة في الأمطار، وغور في الآبار، زلازل وبراكين ، رياح وأعاصير ، حروب وفيضانات ، يصيب بها من يشاء ، ويصرفها عمن يشاء ، وهو شديد المحال ، ومع ذلك حالنا كما قال ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾ فارجعوا إلى ربكم وتوبوا إليه واستغفروه ، وأحسنوا الظن به ، اجعلوا الرجاء في مولاكم نصب أعينكم ، ومحط قلوبكم ، فربكم سبحانه نعم المولى ، ونعم المرتجى ، يغفر الذنوب ، ويكشف الكروب ، ولا يملأن قلوبكم اليأس من روح الله وإفضاله ، فتظنون به ما لا يليق بجلاله وكماله .

تراكمت الكروب فكشفها ، وحلت الجدوب فرفعها ، أطعم وأسقى ، وكفى وآوى ، وأغنى وأقنى ، نعمه لا تحصى ، وإحسانه لا يستقصى ، كم قصدته النفوس بحوائجها فقضاها ، وانطرحت بين يديه ففرج كربها وأعطاها ، سبحانه وبحمده ، لا رب لنا سواه ، ولا نعبد إلا إياه ، لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه ، هو ربنا ومولانا ، وهو أرحم الراحمين ، وأكرم الأكرمين .

فراجعوا أنفسكم ـ عباد الله ـ بالاعتراف بتقصيركم وعيوبكم ، وتوبوا إلى ربكم من جميع ذنوبكم ، وتوجهوا بقلوبكم إلى من بيده خزائن الرحمة والأرزاق ، وأملوا الفرج من الرحيم الخلاق ، واحذروا اليأس والقنوط ، واجتنبوا التسخط والعجز ، وتوبوا من ذنوب تمنع نزول الغيث ، وأقلعوا من مظالم تحجب أبواب البركات .

أيها المسلمون، إنكم خرجتم في هذا المكان ، تستسقون وتستغيثون، فأظهروا الحاجة والاضطرار والافتقار، واصدقوا في التوبة والاعتذار، وأكثروا من الاستغفار، واهجروا الذنوب والأوزار، واجتنبوا موارد الخسار، ومتارح البوار، واحذروا عملاً يقرّب إلى النار، فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، وادعُوا دعاء الغريق في الدجى، ادعوا وأنتم صادقون في الرجا، وظنوا بربكم كل جميل، وأمِّلوا كل خير جزيل، فهو أوسع من أعطى، خزائنه ملأى، يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء، وهو واسع الفضل ، جزيل العطاء، حيِيٌّ كريم يستحي أن يردَّ يدي عبده إذا رفعهما إليه صفراً.

إليك مددنا بالرجاء أكفَّنـا *** فحاشاك من ردِّ الفتى فارغَ اليد

فارفعوا أكفَّ الضراعة، وادعوا وأنتم موقنون بالإجابة.