الدعــــاء

بسم الله الرحمن الرحيم

الدعــــاء

الحمد لله، والاستعانة بالله، والشكوى إلى الله، والرحمة من الله، والرزق عند الله، والغيث بيد الله، والتوبة إلى الله، والناس جميعاً فقراء إلى الله، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء ، وهو الباطن فليس دونه شيء ، له الحمد كله ، وإليه يرجع الأمر كله علانيته وسره، لا رب سواه ، ولا راحم إلا إياه، والصلاة والسلام على أعرف الخلق بمولاه، قام لربه حتى تفطرت قدماه، ضج بالدعاء حتى سقط رداؤه، وهو المجاب من ربه إذا دعاه.

أما بعد :

عباد الله : إن لله سبحانه في خلقه سنناً ماضية، وحكماً بالغة، فهو سبحانه أحكم الحاكمين، وهو الفعال لما يريد، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون . والناس يتقلبون في دنياهم بين فرح و سرو ر، و شدة وبلاء وشرور، تمر بهم السنون فينعمون فيها بطيب العيش ، وصفاء الأيام ، وتعصف بهم أخرى عجاف ، يتجرعون فيها الغصص ، و يكتوون بنار البعد والحرمان . وفي كلا الحالين لا يزال المؤمن بخير ما تعلق قلبه بربه ومولاه .

 وثمة عبادة هي صلة العبد بربه ، وهي أنس قلبه ، وراحة نفسه . ثمة سلاح لم تصنعه المصانع البشرية، وهو أقوى من كل سلاح ، إنه سلاح رباني ، سلاح الأنبياء والأتقياء على مر العصور والدهور . سلاح نجى الله به نوحاً عليه السلام فأغرق قومه بالطوفان ، ونجى الله به موسى عليه السلام من الطاغية فرعون ، نجى الله به صالحا ، وأهلك ثمودا ، وأذل عادا ، وأظهر هودا ، وأعز محمداً صلى الله عليهم وسلم أجمعين . سلاح حارب به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا يزال ذلكم السلاح هو سيف الصالحين ، مع تعاقب الأزمان وتغير الأحوال . ذلكم عباد الله هو الدعاء .

فاتقوا لله ربكم وأطيعوه، واشكروا له ولا تكفروه ، وأثنوا عليه بما هو أهله وادعوه ، فإنه سبحانه قد أمر كم بإخلاص الدعاء ، ووعدكم عليه بكريم العطاء ، وصرفِ البلاء ، وأرشدكم إلى أن الدعاء من أعظم الأسباب التي ينال بها الخير ويتقى بها المكروه ، فقال جل ذكره: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ وأخبر أنه لولا الدعاء لم يعبأ بنا ولم يحفل ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ﴾ وأخبر عن إجابته دعاء عباده، وتفريج ما هم فيه من الكرب والشدائد ﴿قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ﴾ .

عباد الله : من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له ، ومن يكثر الدعاء يوشك أن يستجاب له ، ومن سره أن يستجيب الله له حال الشدة والضيق ، فليكثر من الدعاء حال الرخاء «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» وليعزم المسألة وليعظم الرغبة، وليلح في الدعاء . وليكن على رجاء الإجابة و لا يقنط من الرحمة فإنه يدعو كريما ، يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء . ما عندكم ينفد وما عند الله باق .

عباد الله : اجتهدوا في الدعاء وأكثروا من الثناء ، وعظموا الرجاء وتحلوا بآداب الدعاء فإن خزائن الله ملأى ، ويديه سحاء الليل والنهار ، لا يغيضها نفقة ، ففي الحديث القدسي يقول الله تعالى «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، قاموا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيت كل واحد منهم مسألته ، ما نقص ذلك مما عندي شيئاً»

 ولقد أنكر الله على أقوام، ابتلاهم ليدعوه ويتضرعوا إليه، فأنساهم الشيطان ذلك، فحقت عليهم كلمة العذاب . ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلاَ إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾.

فالواجب علينا عباد الله : أن نتنبه لسنن الله فينا ، فقد يبتلينا ليسمع دعاءنا وتضرعنا ، فإن الله يحب أن يسأل ويدعى، فمن غفل عن ذكر الله في الشدة، كان عن ذكره في الرخاء أغفل .

الخطبة الثانية

الحمد لله

إن الدعاء طاعة لله وامتثال لأمره . وهو محبوب له سبحانه . الدعاء سبب لانشراح الصدر ودفع غضب الرب . و دليل على التوكل . الدعاء سبب لدفع البلاء قبل نزوله، و رفعه بعد حلوله . الدعاء يفتح للعبد باب المناجاة . الدعاء من صفات عباد الله المتقين . و سبب للثبات والنصر على الأعداء ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ﴾ الدعاء مفزع المظلومين ، وملجأ المستضعفين . وأنيس الخائفين ، والصلة برب العالمين .

خرج الترمذي وغيره عن سلمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً». وقال الله صلى الله عليه وسلم كما عند (ت) من حديث عبادة بن الصامت:  «ما على الأرض مسلم يدعوا لله بدعوة إلا آتاه إياها ، وصرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم»  فقال رجل من القوم : إذا نكثر قال «الله أكثر».

عباد الله : إن الدعاء من أعظم ما يستجلب به النصر ، ويستدفع به البلاء ﴿أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ الدعاء سنة الأنبياء ، فهذا أبونا آدم عليه السلام يقول ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾ ويقول نوح ﴿رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الخَاسِرِينَ﴾ ويقول موسى ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ ويقول زكريا ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ وقال يونس ﴿لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ وقال أيوب ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ واستمع إلى النداء الرباني ، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي خرجه عن أنس بن مالك: «قال الله تعالى : يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» . الله اكبر ، لا إله إلا الله ، عباد الله : ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة انطرحوا بين يديه ، وارفعوا حاجاتكم إليه ، ومرغوا الأنوف والجباه ، ولا تدعوا إلا إياه .